بالعراق عند البصرة بينهما فرسخان، قال البخاري: كان أنس بن مالك رضي الله عنه في قصره بالزاوية (?) أحياناً يجمع وأحياناً لا يجمع.
ولما توجه (?) علي رضي الله عنه إلى البصرة بعد مخرج طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم إليها للطلب بدم عثمان رضي الله عنه سار حتى نزل الموضع المعروف بالزاوية، فصلى أربع ركعات وعفر خديه في التراب وقد خالط ذلك دموعه ثم رفع رأسه يدعو: اللهم رب السموات وما أظلت والأرضين وما أقلت ورب العرش العظيم رب محمد، هذه البصرة، أسألك من خيرها وأعوذ بك من شرها، اللهم أنزلنا فيها خير منزل وأنت خير المنزلين، اللهم إن هؤلاء القوم قد بغوا علي وخلعوا طاعتي ونكثوا بيعتي، اللهم احقن دماء المسلمين. وبعث إليهم من يناشدهم الله تعالى في الدماء وقال علام تقاتلونني؟ فأبوا إلا الحرب، فاقتتلوا، فقتل الزبير وطلحة رضي الله عنهما في خلق من الناس وعقر جمل عائشة رضي الله عنها، فقام علي رضي الله عنه خطيباً في الناس رافعاً صوته يقول: أيها الناس إذا هزمتموهم فلا تجهزوا على جريح ولا تقتلوا أسيراً، ولا تتبعوا مولياً، ولا تطلبوا مدبراً ولا تكشفوا عورة ولا تمثلوا بقتيل، ولا تهتكوا ستراً، ولا تقربوا شيئاً من أموالهم إلا ما تجدونه في عسكرهم من سلاح أو كراع أو عبد أو أمة، وما سوى ذلك فهو ميراث لورثتهم على كتاب الله تعالى وقصة الجمل على طولها مشهورة فليقتصر على هذا القدر.
وبالزاوية هذه أيضاً كانت الوقيعة بين الحجاج بن يوسف وبين عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس وكان عبد الرحمن قد خلع الحجاج وعبد الملك وبايعه الناس على ذلك وبايعه عليه أهل الفضل والقراء وقاموا منكرين لأمر الحجاج، فكانت بينهم وقائع كثيرة هذه منها، وذلك سنة اثنتين وثمانين أو في سنة ثلاث وثمانين، وكان دخل البصرة فبايعه أهلها على حرب الحجاج وخلع عبد الملك وكان هزم الحجاج وملك البصرة وبعد ذلك انهزم عبد الرحمن ولحق بالكوفة ثم توالت عليه الهزائم إلى أن فر عبد الرحمن إلى رتبيل ملك الترك واستجار به، فبعث إليه الحجاج من ضمن له الأموال فأسلمه فقتل نفسه، فسيق رأسه إلى الحجاج وكانوا أولاً تزاحفوا فاشتد قتالهم وهزمهم أهل العراق حتى انتهوا إلى الحجاج وحتى قاتلوهم على خنادقهم، ثم إنهم تزاحفوا فانهزم أهل العراق فخر الحجاج فيه ساجداً، وأقبل عبد الرحمن نحو الكوفة وتبعه أهل القوة من أصحابه إلى أن كان من أمره ما ذكرناه وكانت بينهم وقائع ننبه عليها حين يأتي ذكر شيء من مواضعها.
مدينة متصلة بقرطبة من البلاد الأندلسية، بناها المنصور بن أبي عامر لما استولى على دولة خليفته هشام، قال ابن حيان (?) : كان الخليفة الحكم وقف من الأثر على البقعة التي بنيت فيها الزاهرة، وكانت ملوك المروانية قبله تتخوف ذلك، وكان ألهجهم بشأنها الحكم، فنظر فيها وقاس على مجالها (?) البقعة المدعوة بألش، بفتح اللام، وهي بغربي مدينة الزهراء، ووجد انتقال الملك إليها فأمر حاجبه أبا أحمد الصقلي (?) بالسبق إلى بنائها طمعاً في مزية سعدها، ولا يخرج الأمر عن يده ولده فأنفق عليها مالاً عظيماً، فمن الغرائب أن محمد بن أبي عامر تولى له شأنها ولا يعلم يومئذ به ثم وقع إلى الحكم أن البقعة بغير ذلك الموضع (?) وأنها بشرقي مدينة قرطبة وأنفذ بفتاه (?) للوقوف عليها فانتهى إلى منزل ابن بدر المسمى ألش مضمومة اللام. وأصاب هناك عجوزاً مسنة وقفته على حد الارتياد وقالت له: سمعنا قديماً أن مدينة تبنى هنا ويكون على هذه البئر نزول ملكها، فكم تعنى (?) أمير المؤمنين بالسؤال عنها وأمر الله تعالى واقع لا محالة فعاد الرسول بالجلية فلم تطل المدة حتى بناها محمد بن أبي عامر وبنوا أرجاء تلك البئر قرارة.
قال الفتح بن خاقان (?) : لما استفحل أمره واتقد جمره وجل شأنه وظهر استبداده وكثر حساده وخاف على نفسه من الدخول إلى قصر السلطان وخشي أن يقع لطالبه في أشطان توثق لنفسه. وكشف له ما ستره عنه في أمسه من الاعتزاز عليه. ورفض الاستناد