المسلمين إليها لامتنعوا من تسليمها ولم يلتفتوا إلى رهائنهم.
وأكثر الشعراء تهنئة الملك الكامل بهذا الفتح، ومن أشهر ما قيل في ذلك قول بهاء الدين زهير المهلبي الحجازي المولد من قصيدة أولها (?) :
بك اهتز عطف الدين في حلل النصر ... وردت على أعقابها ملة الكفر منها:
ليهنك ما أعطاك ربك إنها ... مواقف هن العز في موقف الحشر
وما فرحت مصر بذا الفتح وحدها ... لقد فرحت بغداد أعظم من مصر
فأقسم لولا عزمة كاملية ... لخافت رجال بالمقام وبالحجر ومنها:
به ارتجعت ذمياط قسراً من العدا ... وطهرها بالسيف والملة الطهر
ورد على المحراب منه صلاته ... فكم بات مشتاقاً إلى الشفع والوتر
وأقسم إن ذاقت بنو الأصفر الكرى ... لما حلمت إلا بأعلامه الصفر
ثلاثة أعوام ألحت وأشهراً ... تجاهد فيها لا بزيد ولا عمرو
كفى الله ذمياط المخافة إنها ... لمن قبلة الإسلام في موضع النحر
وما طاب ماء النيل إلا لأنه ... يحل محل الدين من ذلك الثغر
لك الله من أثنى عليك فإنما ... من القتل قد أنجيته أو من الأسر ونصب الملك الكامل لكل ملك كان في نصرته دهليزاً، وقعد هو في أحد الدهاليز، وزين كل دهليز بالعدد السلطانية والذخائر الملوكية، فكان ملوك الفرنج كلما عبروا فرأوا دهليزاً حسبوا الملك الكامل فيه فيقتلون الأرض فيقال لهم: هذا الملك فلان، فما زالوا كذلك إلى أن وصلوا إليه وقد امتلأت عيونهم وصدورهم من عزة الإسلام.
موضع حفير على ميل من بلد القلزم، كان حفره بعض الملوك ليوصل ما بين القلزم والبحر الرومي فلم يتأت له ذلك لارتفاع القلزم وانخفاض بحر الروم، والله تعالى قد جعل بينهما حاجزاً كما ذكره تعالى في كتابه، وعليه قنطرة عظيمة يجتاز عليها حاج مصر، ولما لم يتأت له ذلك احتفر خليجاً آخر من بحر الروم مما يلي بلاد تنيس وذمياط، فاستمر الماء في هذا الخليج من بحر الروم إلى موضع يعرف بقيعان، فكانت المراكب تدخل من بحر الروم إلى هذه القرية وتدخل من بحر القلزم إلى آخر ذنب التمساح فيقرب ما في كل بحر إلى الآخر، ثم ارتدم ذلك على طول الدهر، وقد هم الرشيد أن يوصل ما بين هذين البحرين من أصل مصب النيل من نحر بلاد الحبشة وأقاصي صعيد مصر فلم يتأت له قسمة ماء النيل، فرام ذلك مما يلي بلاد الفرما فقال له يحيى بن خالد: إن تم هذا يتخطف الناس من المسجد الحرام ومكة، فامتنع من ذلك. وقد أراد عمرو بن العاصي محاولة هذا عند توليه أمر مصر، فمنعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
موضع بنجد عن يسار فلجة مصعداً إلى مكة، وينسب إليه يوم من أيام حرب البسوس وفيه قتل كليب بن ربيعة، وفيه يقول مهلهل من قصيدته المشهورة:
فإن يك بالذنائب طال ليلي ... فقد أبكي على الزمن القصير وكان السبب (?) في قتل كليب أنه كان قد عز وساد في ربيعة فبغى بغياً شديداً، فكان هو الذي ينزلهم منازلهم ويرحلهم