فلم نر يوماً كان أكثر مقعصاً ... يمج دماً من فائظ وكليم

وضاربة خداً كريماً على فتى ... أغر نجيب الأمهات كريم

أصيب بدولاب ولم تك موطناً ... له أرض دولاب ودير حميم

فلو شهدتنا يوم ذاك وخيلنا ... تبيح من الكفار كل حريم

رأت فتية باعوا الإله نفوسهم ... بجنات عدن عنده ونعيم ولما أوقع الخوارج بدولاب بأهل البصرة هالهم ذلك وراعهم، ثم بلغهم أن الخوارج متوجهون نحو البصرة ففزعوا إلى الأحنف بن قيس، وقدم المهلب بن أبي صفرة خلال ذلك ومعه عهده بولاية خراسان من قبل عبد الله بن الزبير، فقال الأحنف: ما أرى لهذا الأمر إلا المهلب، وأجمع على ذلك الناس وامتنع المهلب من ذلك، فكتب على لسان ابن الزبير إلى المهلب إن الأزارقة المارقة قد أصابوا جنداً للمسلمين كان عددهم كثيراً وأشرافهم كثيراً، وقد كنت وجهتك إلى خراسان، وقد رأيت لما ذكر أمر هؤلاء الخوارج أن تكون أنت على قتالهم، ورجوت أن تكون ميموناً مباركاً على أهل مصرك، والأجر في ذلك أفضل من المسير إلى خراسان، فسر إليهم راشداً، فقاتل عدو الله وعدوك ودافع عن حقوقك وحقوق أهل مصرك، فإنه لن يفوتك من سلطاننا خراسان ولا غير خراسان إن شاء الله. فانتخب من الناس اثني عشر ألفاً ثم تتام له زهاء عشرين ألفاً، ثم مضى يؤم سوق الأهواز، ثم خندق عليه ووضع المسالح وأذكى العين وأقام الأحراس، ولم يزل الجند على مصافهم والناس على راياتهم وأخماسهم، وأبواب الخنادق عليها رجال موكلون بها، فكانت الخوارج إذا أرادوا بيات المهلب وجدوا أمراً محكماً، فلم يقابلهم قط إنسان كان أشد عليهم ولا أغيظ لقلوبهم منه، والتقى الناس فاقتتلوا كأشد القتال، فصبر بعضهم لبعض عامة النهار، ثم إن الخوارج شدت على الناس في جمعها شدة منكرة فأجفل الناس وانصاعوا منهزمين لا تلوي أم على ولد حتى بلغت البصرة هزيمة الناس، فنادى مناد أن قتل المهلب، ونعي بالبصرة، فنسي الناس رجالهم وأقام أهل كل دار يبكون المهلب لا يسألون عن أحد، وضرب المهلب يومئذ على جبهته، ولم يبق يومئذ أحد من ولده إلا جرح، وأسرع المهلب حتى سبقهم إلى مكان يفاع في جانب عن سنن المهزومين، ثم إنه نادى الناس: إلي عباد الله، فثاب إليه جماعة من قومه من أهل عمان، فاجتمع إليه منهم نحو ثلاثة آلاف، فلما نظرهم رضي جماعتهم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإن الله تعالى ربما يكل الجمع الكثير إلى أنفسهم فيهزمون وينزل النصر على الجمع القليل فيظهرون، ولعمري ما بكم الآن قلة، إني بجميعكم لراض، وإنكم لأنتم أهل الصبر وفرسان المصر، وما أحب أن أحداً ممن انهزم معكم، لو كانوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً، عزمت على كل واحد منكم لما أخذ عشرة أحجار معه أو ما استطاع، ثم امشوا بنا نحو عسكرهم فإنهم الآن من ذلك آمنون وقد خرجت خيلهم في طلب إخوانكم، والله إني لأرجو ألا ترجع إليهم خيلهم حتى تستبيحوا عسكرهم وتقتلوا أميرهم، ففعلوا، ثم أقبل زحفاً فلا والله ما شعرت الخوارج إلا والمهلب يضاربهم بالمسلمين في جانب عسكرهم، ثم استقبلوا عبيد الله بن الماحوز وأصحابه وعليهم الدروع والسلاح كاملاً، فأخذ الرجل من أصحاب المهلب يستقبل الرجل منهم فيستعرض وجهه بالحجارة فيرميه حتى يثخنه ثم يطعنه بعد ذلك برمحه أو يضربه بسيفه، فلم يقاتلهم إلا ساعة حتى قتل عبيد الله بن الماحوز وأخوه عثمان وضرب الله وجوه أصحابه، وأخذوا عسكر القوم وما فيه، وقتل الأزارقة قتلاً ذريعاً، وأقبل من كان من الأزارقة في طلب المنهزمين من أهل البصرة راجعين وقد وضع لهم المهلب خيلاً ورجالة في الطريق تختطفهم وتقتلهم فانكفأوا راجعين مفلولين، فلما أصبح المهلب غدا على القتلى فأصابوا ابن الماحوز مقتولاً، وقال رجل من موالي المهلب: لقد صرعت يومئذ بحجر واحد ثلاثة، رميت به رجلاً فأصبت أصل أذنه فصرعته ثم أخذت الحجر فضربت به آخر على هامته فصرعته، ثم ضربت آخر ثالثاً، وقال رجل من الخوارج:

أتانا بأحجار ليقتلنا بها ... وهل يقتل الأبطال ويحك بالحجر ودعا المهلب الرقاد بن عبد وسعيد بن زيد الجهضمي فقال: أمعنا في الأرض فمن لقيتما من الناس فأعلماه حياتي، وامضيا إلى البصرة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015