خارج حيطان هذا الهيكل من خارج صور جميع الحيوانات بأغرب ما يكون من التصوير، ويقال إنها كلها طلاسم قال بعضهم (?) : أعطاني إنسان من أهلها طلسماً وهو صورة أسدين س نحاس أحمر عجز الواحد منهما إلى عجز الآخر قد صورا أعجب ما يكون من التصوير، وكانت هذه البلدة لا يدخلها عقرب ولو أدخل فيها مات حتى حفر إنسان أساس دار فوجد قدر نحاس فيه عقارب من نحاس فسبكها وصرفها فيما احتاج إليه فدخلت العقارب المدينة وأضرت بالناس فيها. والمسكون اليوم من تبسا إنما هو قصرها وعليه سور من حجر جليل متقن العمل كأنما فرغ منه بالأمس، وهو حصن حصين، وفي مدينة تبسا أقباء تدخلها الرفاق بدوابهم أيام الشتاء، يسع القبو منها ألفي دابة وأكثر. وبقرب مدينة تبسا وادي ملاق وهو يقل في أيام الصيف وهو صعب المجاز كثير الدهس وعر المخاض، وعليه جبل يسمى قلب ملاق يرى على مسيرة أيام لعلوه وذهابه في الجو، وعلى مقربة من تبسا جبل يعرف بالمكتف (?) وفي أعلاه مغارة لا يقدر على الوصول إليها لا من فوق الجبل ولا من أسفله، ويقال إن فيها مالاً عظيماً وإن الطير إذا نزلت في تلك المغارة أو طارت عنها سقطت منها دنانير كبار من ذهب نفيس، وهذا متعارف في تلك البلاد، وبمدينة تبسا بساتين كثيرة وفواكه عجيبة ويجود فيها الجوز حتى يضرب به المثل في إفريقية.
في خراسان من عمل أذربيجان.
بين الحجر وأول الشام، وشرب أهلها من عين ماء خرارة وبها نخيل كثير، ويقال إن أصحاب الأيكة الذين بعث إليهم شعيب النبي عليه السلام كانوا بها، وكان شعيب من مدين. وتبوك أقصى أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، روي أنه جاء في غزوة تبوك وهم يبوكون حسيها بالقدح أي يدخلونه فيه ويحركونه ليستدير ماؤه، فقال صلى الله عليه وسلم: " ما زلتم تبوكونها " فسميت تبوك، وفي تسع غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم الروم في تبوك فكانت أقصى أثره، وبنى بها مسجداً وهو بها إلى اليوم، وقصة تبوك مستوفاة في سيرة ابن إسحاق (?) .
في بلاد الترك، وهي مملكة متميزة من بلاد الصين والغالب عليهم حمير، رتبهم بعض التبابعة، ولهم حضر وبدو، وبواديهم ترك لا يقوم لهم أحد من بلاد الأتراك، وهم معظمون في سائر أجناس الترك لأن الملك كان فيهم في قديم الزمان، وعند سائر أجناس الترك أن الملك سيعود إليهم، وهم قوم يداخلون أهل فرغانة ويتجهزون بالحديد والفضة والحجارة الملونة والجلود النمرية والمسك التبتي المنسوب إليها، وهي مدينة على نشز عال، وفي أسفلها سور منيع، وملكها ينزل فيها، وتصنع بها ثياب غلاظ حسنة لدنة (?) يباع الثوب منها بدنانير كثيرة لأنها حرير في قز، ويتجهز منها أيضاً بالرقيق والمسك إلى بلاد فرغانة وإلى بلاد الهند، وليس على معمور الأرض أحسن ألواناً ولا أرق بشراً ولا أجمل خلقاً ولا أنعم أبداناً من رقيق الترك، يسرق بعضهم أبناء بعض ويبيعونهم من التجار، وقد يبلغ ثمن الجارية منهن ثلثمائة دينار.
ولبلد التبت خواص عجيبة في هوائه ومائه وأرضه وسهله وجبله، ولا يزال الإنسان به ضاحكاً فرحاً مسروراً لا تعرض له الأحزان ولا الهموم ولا الأفكار، ولا تحصى عجائب أنواع ثماره وزهره ومروجه وأنهاره، وهو بلد تقوى فيه طبيعة الدم على الحيوان الناطق وغيره من الحيوان، ولا تكاد ترى في هذه البلاد شيخاً حزيناً ولا عجوزاً بل الطرب في الشيوخ والكهول والشبان والأحداث عام، وفي أهله رقة طبع وبشاشة وأريحية تبعث على كثرة استعمال الملاهي بالمعاقرة وأنواع الرقص، حتى إن الميت إذا مات لا يكاد يداخل أهله كثير حزن، ولهم تحنن كثير بعضهم على بعض، والتبسم فيهم عام.
والمشهور أنه تبت بالتاء المثناة، وقال المسعودي (?) : سمي هذا البلد بمن ثبت فيه ورتب له من رجال حمير فقيل ثبت لثبوتهم، وقد افتخر دعبل بن علي الخزاعي بذلك في قصيدته التي يناقض فيها الكميت ويفخر بقحطان على نزار: