. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اللهُ السّلَامُ:
وَقَوْلُ خَدِيجَةَ: اللهُ السّلَامُ، وَمِنْهُ السّلَامُ، وَعَلَى جِبْرِيلَ السّلَامُ، عَلِمَتْ بِفِقْهِهَا أَنّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ السّلَامُ، كَمَا يَرِدُ عَلَى الْمَخْلُوقِ؛ لِأَنّ السّلَامَ دُعَاءٌ بِالسّلَامَةِ فَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهَا: اللهُ السّلَامُ، فَكَيْفَ أَقُولُ عليه السلام، والسلام منه يسئل، وَمِنْهُ يَأْتِي؟ وَلَكِنْ عَلَى جِبْرِيلَ السّلَامُ، فَاَلّذِي يَحْصُلُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ الْفِقْهِ أَنّهُ لا يليق بالله سبحانه إلا الثّناء نمليه، فَجَعَلَتْ مَكَانَ رَدّ التّحِيّةِ عَلَى اللهِ ثَنَاءً عَلَيْهِ، كَمَا عَمِلُوا فِي التّشَهّدِ حِينَ قَالُوا: السّلَامُ عَلَى اللهِ مِنْ عِبَادِهِ، السّلَامُ عَلَى فُلَانٍ، فَقِيلَ لَهُمْ: لَا تَقُولُوا هَذَا، وَلَكِنْ قُولُوا: التّحِيّاتُ لِلّهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ فَوَائِدَ جَمّةً فِي مَعْنَى التّحِيّاتِ إلَى آخِرِ التّشَهّدِ. وَقَوْلُهَا: وَمِنْهُ السّلَامُ، إنْ كانت أرادت السلام التحية، فهو خبر يرادبه التّشَكّرُ، كَمَا تَقُولُ: هَذِهِ النّعْمَةُ مِنْ اللهِ، وَإِنْ كَانَتْ أَرَادَتْ السّلَامَ بِالسّلَامَةِ مِنْ سُوءٍ، فهو حبر يراد به المسئلة، كما تقول:
منه يسئل الْخَيْرُ. وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ اللّغَةِ إلَى أَنّ السّلَامَ وَالسّلَامَةَ بِمَعْنَى وَاحِدٍ كَالرّضَاعِ وَالرّضَاعَةِ، وَلَوْ تَأَمّلُوا كَلَامَ الْعَرَبِ وَمَا تُعْطِيهِ هَاءُ التّأْنِيثِ مِنْ التّحْدِيدِ لَرَأَوْا أَنّ بَيْنَهُمَا فُرْقَانًا عَظِيمًا، وَأَنّ الْجَلَالَ أَعَمّ مِنْ الْجَلَالَةِ بِكَثِيرِ، وَأَنّ اللّذَاذَ أَبْلَغُ مِنْ اللّذَاذَةِ، وَأَنّ الرّضَاعَةَ تَقَعُ عَلَى الرّضْعَةِ الْوَاحِدَةِ، وَالرّضَاعُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ السّلَامُ، وَالسّلَامَةُ، وَقِسْ عَلَى هَذَا: تَمْرَةً وَتَمْرًا، وَلَقَاةً وَلَقًى، وَضَرْبَةً وَضَرْبًا، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَتَسَمّى سُبْحَانَهُ بِالسّلَامِ لِمَا شَمِلَ جَمِيعَ الْخَلِيقَةِ، وَعَمّهُمْ مِنْ السّلَامَةِ مِنْ الِاخْتِلَالِ وَالتّفَاوُتِ إذْ الْكُلّ جَارٍ عَلَى نِظَامِ الْحِكْمَةِ، كَذَلِكَ سليم الثّقَلَانِ مِنْ جَوْرٍ وَظُلْمٍ أَنْ يَأْتِيَهُمْ مِنْ قِبَلِهِ سُبْحَانَهُ، فَإِنّمَا الْكُلّ مُدَبّرٌ بِفَضْلِ أَوْ عَدْلٍ، أَمّا الْكَافِرُ فَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ إلّا عَدْلُهُ، وَأَمّا الْمُؤْمِنُ