. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جَاءَ رَمَضَانُ، وَلَمْ يَقُلْ: شَهْرَ رَمَضَانَ، وَقَدْ بَيّنْت أَنّ لِكُلّ مَقَامٍ مَقَامُهُ، وَلَا بُدّ مِنْ ذِكْرِ شَهْرٍ فِي مَقَامٍ، وَمَنْ حَذَفَهُ فِي مَقَامٍ آخَرَ، وَالْحِكْمَةُ فِي ذِكْرِهِ إذَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ، وَالْحِكْمَةُ أَيْضًا فِي حَذْفِهِ إذَا حُذِفَ مِنْ اللّفْظِ، وَأَيْنَ يَصْلُحُ الْحَذْفُ، وَيَكُونُ أَبْلَغَ مِنْ الذّكْرِ، كُلّ هَذَا مُبَيّنٌ فِي كِتَابِ «نَتَائِجِ الْفِكْرِ» ، فَهُنَاكَ أَوْرَدْنَا فِيهِ فَوَائِدَ تَعْجِزُ عَنْهَا هِمَمُ أَهْلِ هَذَا الْعَصْرِ. أَدْنَاهَا تُسَاوِي رِخْلَةً عِنْدَ مَنْ عَرَفَ قَدْرَهَا، غَيْرَ أَنّا نُشِيرُ إلَى بَعْضِهَا، فَنَقُولُ: قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَمِمّا لَا يَكُونُ الْعَمَلُ إلّا فِيهِ كُلّهِ:
الْمُحَرّمُ وَصَفَرٌ، يُرِيدُ أَنّ الِاسْمَ الْعَلَمَ يَتَنَاوَلُ اللّفْظَ كُلّهُ، وَذَلِكَ إذَا قُلْت: الْأَحَدُ أَوْ الِاثْنَيْنِ، فَإِنْ قُلْت يَوْمَ الْأَحَدِ أَوْ شَهْرُ الْمُحَرّمِ كَانَ ظَرْفًا، وَلَمْ يَجْرِ مَجْرَى الْمَفْعُولَاتِ، وَزَالَ الْعُمُومُ مِنْ اللّفْظِ، لِأَنّك تُرِيدُ: فِي الشّهْرِ وَفِي الْيَوْمِ، وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، وَلَمْ يَقُلْ شَهْرَ رَمَضَانَ؛ لِيَكُونَ الْعَمَلُ فِيهِ كُلّهِ، وَهَذِهِ إشَارَةٌ إلَى بَعْضِ تِلْكَ الْفَوَائِدِ الّتِي أَحَكَمْنَاهَا فِي غير هذا الكتاب.
حب الرسول «ص» وَطَنَهُ:
بَقِيّةٌ مِنْ حَدِيثِ وَرَقَةَ، وَذَلِكَ أَنّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لَتُكَذّبَنّهْ، فَلَمْ يَقُلْ لَهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، ثُمّ قَالَ: وَلَتُؤْذَيَنّهْ، فَلَمْ يَقُلْ لَهُ شَيْئًا، ثُمّ قَالَ: وَلَتُخْرَجَنّهْ، فَقَالَ: أو مخرحىّ هُمْ؟ فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى حُبّ الْوَطَنِ وَشِدّةِ مُفَارَقَتِهِ عَلَى النّفْسِ، وَأَيْضًا فَإِنّهُ حَرَمُ اللهِ وَجِوَارُ بَيْتِهِ، وَبَلْدَةُ أَبِيهِ إسْمَاعِيلَ، فَلِذَلِكَ تحركت نفسه عند ذكر لخروج منه مالم تتحرك قبل ذلك، فقال: أو مخرجىّ هُمْ؟ وَالْمَوْضِعُ الدّالّ عَلَى تَحَرّكِ النّفْسِ وَتَحَرّقِهَا إدْخَالُ الْوَاوِ بَعْدَ أَلِفِ الِاسْتِفْهَامِ مَعَ اخْتِصَاصِ الْإِخْرَاجِ بِالسّؤَالِ عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنّ الْوَاوَ