مكتوبا عن النبى، لا يوجد مثيله فى أمة من الأمم كتبت تاريخ زعيم، أو قائد أو بطل، أو نبى هو منها فى مكانة الشمس من الكون، وفى الكثير مما خلف لنا الأسلاف من تراث مكتوب عن النبى لا نلمح فيه شعاعة حقّ إلا كما نلمح ومضة البرق فى الليلة الداجية زكمت آفاقها الظلمات، فلقد خيل إلى أصحاب هذا التراث أن الكذب آية حب، وأن محمدا لا يكون عظيما إلا بما افترت الصليبية ليسوع، فصوروا رسول الله فى صورة بشر تستكنّ فى أعماقه ربوبية قهارة خلاقة، تهيمن على مصائر الوجود، وأقدار كائناته، وتجمع بين أزل الوجود، وأبده فى معرفة لا يخفى عليها شئ!! وافتروا قصصا، وأحاديث هى نفثات يهودية، ومفتريات وثنية، وضلالات صليبية، ورددت أفواه وألسن فى عديد من قرون التاريخ هذه القصص والأحاديث، وتلقفت الأجيال- خلفها عن سلفها- كلّ ذلك، وقد صنع التاريخ الكذوب لمن افتروا هذه الأكاذيب، أو لمن رددوها عن بلاهة عروشا تسجد تحتها أفكار أجيال وأجيال، وتهطع فى قنوت يأخذ منها كل العمر، فتسخّر لتمجيد تلك الأكاذيب كلّ فكر ولسان وقلم، فصار قرينا للمستحيل أن يفكر امرؤ فى نقد شئ من تراث أولئك الأسلاف بشروح هؤلاء الأخلاف، وصارت هذه الترهات التى يمجها حتى الباطل لعوارها- تختال وكأنها درر حقائق تتلألأ بنور الوحى، بل صارت، وهى أحب ما يعشق الناس مما كتب عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- وصارت مكانة أربابها كالزجر القاصف، والردع العاصف لمن يهم بالهمس بكلمة حق ينقدبها تلك الضلالات. والمسلم الذى يحاول أن يجلو للناس سيرة النبى- صلى الله عليه وسلم- على نور من القرآن وهدى من الأحاديث الصحيحة. تجده وقد تفجرت فى وجهه حمم، ودوّت فى سمعه رعود، وألوف الألسنة تبهتة بالسوء، وهى التى لم تطب لحظة بذكر الحق: إن الباطل الذى سخّر هذه الألسنة، وزكم بطون أربابها بسحته لا يحب أن يعرف الناس أنه باطل،