فلما بلغ النّجَاشِيّ غَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا وَقَالَ: عَدَا عَلَى أميرى، فقتله بغير أمرى، ثم حَلَفَ: لَا يَدَعُ أَبْرَهَةَ حَتّى يَطَأَ بِلَادَهُ، وَيَجُزّ نَاصِيَتَهُ، فَحَلَقَ أَبْرَهَةُ رَأْسَهُ، وَمَلَأَ جِرَابًا من تراب اليمن، ثم بعث إلَى النّجَاشِيّ، ثُمّ كَتَبَ إلَيْهِ:
«أَيّهَا الْمَلِكُ، إنّمَا كَانَ أَرْيَاط عَبْدَك، وَأَنَا عَبْدُك، فَاخْتَلَفْنَا فِي أَمْرِك، وَكُلّ طَاعَتُهُ لَك، إلّا أَنّي كُنْت أَقْوَى عَلَى أَمْرِ الْحَبَشَةِ، وَأَضْبَطَ لَهَا، وَأَسْوَسَ مِنْهُ، وَقَدْ حَلَقْتُ رَأْسِي كُلّهُ حِينَ بَلَغَنِي قَسَمُ الْمَلِكِ، وَبَعَثْتُ إلَيْهِ بِجِرَابِ تُرَابٍ مِنْ أَرْضِي؛ لِيَضَعَهُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَيَبَرّ قَسَمُهُ فِيّ» .
فَلَمّا انْتَهَى ذَلِكَ إلَى النّجَاشِيّ رَضِيَ عَنْهُ، وَكَتَبَ إلَيْهِ: أَنْ اُثْبُتْ بِأَرْضِ الْيَمَنِ حتى يأتيك أمرى، فأقام أبرهة باليمن.
ثُمّ إنّ أَبْرَهَةَ بَنَى الْقُلّيْس بِصَنْعَاءَ، فَبَنَى كنيسة لم ير مثلها فى زمانها بشئ مِنْ الْأَرْضِ، ثُمّ كَتَبَ إلَى النّجَاشِيّ: إنّي قَدْ بَنَيْتُ لَك أَيّهَا الْمَلِكُ كَنِيسَةً لَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ أَنّ أَرْيَاطًا عَلَا بِالْحَرْبَةِ أَبْرَهَةَ، فأخطأ يَافُوخَهُ. وَالْيَافُوخُ: وَسَطُ الرّأْسِ (?) . وَيُقَالُ لَهُ مِنْ الطّفْلِ: غَاذِيَةٌ بِالذّالِ، فَإِذَا اشْتَدّ وَصَلُبَ سُمّيَ:
يَأْفُوخًا بِالْهَمْزِ عَلَى وَزْنِ يَفْعُولٍ، وَجَمْعُهُ: يَآفِيخٌ قال العجّاج: