قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، وَيَزِيدُ ابْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، قَالَا: وَقَدْ رَأَتْ عاتكة بنت عبد المطلب، قَبْلَ قُدُومِ ضَمْضَمٍ مَكّةَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ، رُؤْيَا أفزعتها. فبعثت إلى أخيها العباس ابن عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَخِي، وَاَللهِ لَقَدْ رَأَيْت اللّيْلَةَ رُؤْيَا أَفْظَعَتْنِي، وَتَخَوّفْتُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى قَوْمِك مِنْهَا شَرّ وَمُصِيبَةٌ، فَاكْتُمْ عَنّي مَا أُحَدّثُك بِهِ؛ فَقَالَ لَهَا: وَمَا رَأَيْتِ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَاكِبًا أَقْبَلَ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ، حَتّى وَقَفَ بِالْأَبْطَحِ، ثُمّ صَرَخَ بِأَعْلَى صوته: ألا انفروا يا آل غدر لِمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ، فَأَرَى النّاسَ اجْتَمَعُوا إلَيْهِ: ثم دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنّاسُ يَتْبَعُونَهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ حَوْلَهُ مَثَلَ بِهِ بَعِيرُهُ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، ثُمّ صرخ بمثلها: ألا انفروا يا آل غدر لِمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ: ثُمّ مَثَلَ بِهِ بَعِيرُهُ عَلَى رَأْسِ أَبِي قُبَيْسٍ فَصَرَخَ بِمِثْلِهَا.
ثُمّ أَخَذَ صَخْرَةً فَأَرْسَلَهَا فَأَقْبَلَتْ تَهْوِي، حَتّى إذَا كَانَتْ بِأَسْفَلِ الْجَبَلِ ارْفَضّتْ، فَمَا بَقِيَ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِ مَكّةَ، وَلَا دَارٌ إلّا دَخَلَتْهَا مِنْهَا فَلِقَةٌ؛ قَالَ الْعَبّاسُ:
وَاَللهِ إنّ هَذِهِ لرؤيا، وأنت فاكتميها، ولا تذكريها لأحد.
ثُمّ خَرَجَ الْعَبّاسُ، فَلَقِيَ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَكَانَ لَهُ صِدّيقًا، فَذَكَرَهَا لَهُ، وَاسْتَكْتَمَهُ إيّاهَا. فَذَكَرَهَا الْوَلِيدُ لِأَبِيهِ عُتْبَةَ، فَفَشَا الْحَدِيثُ بِمَكّةَ، حَتّى تَحَدّثَتْ بِهِ قُرَيْشٌ فِي أنديتها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .