صُوّرَ فِي الْأَرْحَامِ، لَا يَدْفَعُونَ ذَلِكَ وَلَا يُنْكِرُونَهُ، كَمَا صُوّرَ غَيْرُهُ مِنْ وَلَدِ آدَمَ، فَكَيْفَ يَكُونُ إلَهًا، وَقَدْ كَانَ بِذَلِكَ الْمَنْزِلِ؟! ثُمّ قَالَ تَعَالَى إنْزَاهًا لِنَفْسِهِ، وَتَوْحِيدًا لَهَا مِمّا جَعَلُوا مَعَهُ: لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، الْعَزِيزُ فِي انْتِصَارِهِ مِمّنْ كَفَرَ بِهِ إذَا شَاءَ، الْحَكِيمُ فِي حُجّتِهِ وَعُذْرِهِ إلَى عِبَادِهِ. هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ فِيهِنّ حُجّةُ الرّبّ، وَعِصْمَةُ الْعِبَادِ، وَدَفْعُ الْخُصُومِ وَالْبَاطِلِ، لَيْسَ لَهُنّ تَصْرِيفٌ وَلَا تَحْرِيفٌ عَمّا وُضِعْنَ عَلَيْهِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ لَهُنّ تَصْرِيفٌ وَتَأْوِيلٌ، ابْتَلَى الله فيهنّ العباد، كما ابتلاهم فى الحلال والحرام، ألّا يصرفن إلى الباطل، ولا يحرّفن عن الحقّ. يقول عَزّ وَجَلّ: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ، أَيْ:
مَيْلٌ عَنْ الْهُدَى فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ، أَيْ مَا تَصَرّفَ مِنْهُ، لِيُصَدّقُوا بِهِ مَا ابْتَدَعُوا وَأَحْدَثُوا؛ لِتَكُونَ لَهُمْ حُجّةٌ، وَلَهُمْ عَلَى مَا قَالُوا شُبْهَة ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ، أَيْ: اللّبْسِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ. ذَلِكَ عَلَى مَا رَكِبُوا مِنْ الضّلَالَةِ فِي قَوْلِهِمْ: خَلَقْنَا وَقَضَيْنَا. يَقُولُ: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ، أَيْ: الّذِي بِهِ أَرَادُوا مَا أَرَادُوا إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا فَكَيْفَ يَخْتَلِفُ وَهُوَ قَوْلٌ وَاحِدٌ، مِنْ رَبّ وَاحِدٍ؟! ثُمّ رَدّوا تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ عَلَى مَا عَرَفُوا مِنْ تَأْوِيلِ الْمُحَكّمَةِ الّتِي لَا تَأْوِيلَ لِأَحَدٍ فِيهَا إلّا تَأْوِيلٌ وَاحِدٌ، وَاتّسَقَ بِقَوْلِهِمْ الْكِتَابُ، وَصَدّقَ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَنَفَذَتْ بِهِ الْحُجّةُ، وظهر به العذر، وراح بِهِ الْبَاطِلَ، وَدَمَغَ بِهِ الْكُفْرَ. يَقُولُ اللهُ تَعَالَى فِي مِثْلِ هَذَا: وَما يَذَّكَّرُ فِي مثل هذا إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .