. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــ

وَهَذَا قَوْلُ مَنْ غَلُظَ طَبْعُهُ وَبَعُدَ بِالْعُجْمَةِ عَنْ فَهْمِ الْبَلَاغَةِ قَلْبُهُ وَكَذَلِكَ قَالَ هُوَ وَمَنْ قَلّدَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ الرّحْمَنَ: 27 أَيْ يَبْقَى رَبّك، وَكُلّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلّا وَجْهَهُ، أَيْ: إلّا إيّاهُ، فَعَلَى هَذَا قَدْ خَلَا ذِكْرُ، الْوَجْهِ مِنْ حِكْمَةٍ، وَكَيْفَ تَخْلُو كَلِمَةٌ مِنْهُ مِنْ الْحِكْمَةِ، وَهُوَ الكتاب الحكيم، ولكن هذا هو الموطن للثانى مِنْ مَوَاطِنِ ذِكْرِ الْوَجْهِ، وَالْمَعْنَى بِهِ مَا ظَهَرَ إلَى الْقُلُوبِ وَالْبَصَائِرِ مِنْ أَوْصَافِ جَلَالِهِ ومجده، والوجه لغة ما ظهر من الشىء مَعْقُولًا كَانَ أَوْ مَحْسُوسًا، تَقُولُ: هَذَا وَجْهُ الْمَسْأَلَةِ، وَوَجْهُ الْحَدِيثِ، أَيْ:

الظّاهِرُ إلَى رَأْيِك مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الثّوْبُ مَا ظَهَرَ إلَى بَصَرِك مِنْهُ، وَالْبَصَائِرُ لَا تُحِيطُ بِأَوْصَافِ جَلَالِهِ، وَمَا يَظْهَرُ لَهَا مِنْ ذَلِكَ أَقَلّ مِمّا يَغِيبُ عَنْهَا، وَهُوَ الظّاهِرُ وَالْبَاطِنُ- تَعَالَى وَجَلّ- وَكَذَلِكَ فِي الْجَنّةِ نَظَرُ أَهْلِهَا إلَى وَجْهِهِ سُبْحَانَهُ إنّمَا هُوَ نَظَرٌ إلَى مَا يَرَوْنَ مِنْ ظَاهِرِ جَلَالِهِ إلَيْهِمْ عِنْدَ تَجَلّيهِ، وَرَفْعِ الْحِجَابِ دُونَهُمْ، وَمَا لَا يُدْرِكُونَ مِنْ ذَلِكَ الْجَلَالِ أَكْثَرُ مِمّا أَدْرَكُوا.

وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ، وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ الرّحْمَنَ: 26، 27 لَمّا كَانَتْ السّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، قَدْ أَظَهَرَتْ مِنْ قُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ، مَا أَظَهَرَتْ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنّ فَنَاءَهَا لَا يُغَيّرُ مَا عُلِمَ مِنْ سُلْطَانِهِ وَظَهَرَ إلَى الْبَصَائِرِ مِنْ جَلَالِهِ، فَقَدْ كَانَ ذَلِكَ الْجَلَالُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهَا، وَهُوَ بَاقٍ بَعْدَ فَنَائِهَا كَمَا كَانَ فِي الْقِدَمِ، فَهُوَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، قَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ: تَجَلّلَ بِالْبَهَاءِ وَأَكْرَمَ مَنْ شَاءَ بِالنّظَرِ إلَى وَجْهِهِ أَمّا الْأَشْعَرِيّ فَذَهَبَ فِي مَعْنَى الْوَجْهِ إلَى مَا ذَهَبَ فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْعَيْنِ وَالْيَدِ، وَأَنّهَا صِفَاتٌ لِلّهِ تَعَالَى لَمْ تُعْلَمْ مِنْ جِهَةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015