ثُمّ إنّ النّاسَ تَرَادّوا وَعَرَفُوا أَنّمَا يَخْشَى الْقَوْمُ السّبّةَ، فَأَعْطَتْهُمْ خُزَاعَةُ بَعْضَ الْعَقْلِ، وَانْصَرَفُوا عَنْ بَعْضٍ. فَلَمّا اصْطَلَحَ الْقَوْمُ قَالَ الْجَوْنُ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ:
وَقَائِلَةٍ لَمّا اصْطَلَحْنَا تَعَجّبًا ... لِمَا قَدْ حَمَلْنَا لِلْوَلِيدِ وَقَائِلِ
أَلَمْ تُقْسِمُوا تُؤْتُوا الْوَلِيدَ ظُلَامَةً ... وَلَمّا تَرَوْا يَوْمًا كَثِيرَ الْبَلَابِلِ
فَنَحْنُ خَلَطْنَا الْحَرْبَ بِالسّلْمِ فَاسْتَوَتْ ... فَأَمّ هَوَاهُ آمِنًا كُلّ رَاحِلِ
ثُمّ لَمْ يَنْتَهِ الْجَوْنُ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ حَتّى افْتَخَرَ بِقَتْلِ الْوَلِيدِ، وَذَكَرَ أَنّهُمْ أَصَابُوهُ، وَكَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا. فلحق بالوليد وبولده وَقَوْمِهِ مِنْ ذَلِكَ مَا حَذّرَهُ، فَقَالَ الْجَوْنُ بن أبى الجون:
أَلَا زَعَمَ الْمُغِيرَةُ أَنّ كَعْبًا ... بِمَكّةَ مِنْهُمْ قَدْرٌ كَثِيرُ
فَلَا تَفْخَرْ مُغِيرَةُ أَنْ تَرَاهَا ... بِهَا يَمْشِي الْمُعَلْهَجُ وَالْمَهِيرُ
بِهَا آبَاؤُنَا، وَبِهَا وُلِدْنَا ... كَمَا أَرْسَى بِمَثْبَتِهِ ثَبِيرُ
وَمَا قَالَ المغيرة ذلك إلّا ... لِيَعْلَمَ شَأْنَنَا أَوْ يَسْتَثِيرُ
فَإِنّ دَمَ الْوَلِيدِ يُطَلّ إنّا ... نَطُلّ دِمَاءً أَنْتَ بِهَا خبير
كساه الفاتك المميمون سمهما ... زعافا وهو ممتلىء بَهِيرُ
فَخَرّ بِبَطْنِ مَكّةَ مُسْلَحِبّا ... كَأَنّهُ عِنْدَ وَجْبَتِهِ بَعِيرُ
سَيَكْفِينِي مِطَالَ أَبِي هِشَامٍ ... صِغَارٌ جَعْدَةُ الْأَوْبَارِ خُورُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا منها بيتا واحدا أقذع فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .