. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فِي سَابِقِ عِلْمِهِ وَمُقْتَضَى حِكْمَتِهِ، كَنَسْخِهِ الْمَرَضَ بِالصّحّةِ، وَالصّحّةِ بِالْمَرَضِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَيْضًا بِأَنّ الْعَبْدَ الْمَأْمُورَ يَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ تَوَجّهِ الْأَمْرِ إلَيْهِ ثَلَاثُ عِبَادَاتٍ:
الْفِعْلُ الّذِي أُمِرَ بِهِ، وَالْعَزْمُ عَلَى الِامْتِثَالِ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَمْرِ، وَاعْتِقَادُ الْوُجُوبِ إنْ كَانَ وَاجِبًا فَإِنْ نُسِخَ الْحُكْمُ قَبْلَ الْفِعْلِ، فَقَدْ حَصَلَتْ فَائِدَتَانِ: الْعَزْمُ وَاعْتِقَادُ الْوُجُوبِ. وَعَلِمَ اللهُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَصَحّ امْتِحَانُهُ له واختياره إيّاهُ، وَأَوْقَعَ الْجَزَاءَ عَلَى حَسَبِ مَا عَلِمَ مِنْ نِيّتِهِ، وَإِنّمَا الّذِي لَا يَجُوزُ نَسْخُ الْأَمْرِ قَبْلَ نُزُولِهِ، وَقَبْلَ عِلْمِ الْمُخَاطَبِ بِهِ، وَاَلّذِي ذَكَرَ النّحّاسُ مِنْ نَسْخِ الْعِبَادَةِ بَعْدَ الْعَمَلِ بِهَا، فَلَيْسَ هُوَ حَقِيقَةَ النّسْخِ، لِأَنّ الْعِبَادَةَ الْمَأْمُورَ بِهَا قَدْ مَضَتْ، وَإِنّمَا جَاءَ الخطاب بالنهى عن مثلها لَا عَنْهَا، وَقَوْلُنَا فِي الْخَمْسِ وَالْأَرْبَعِينَ صَلَاةً الْمَوْضُوعَةِ عَنْ مُحَمّدٍ وَأُمّتِهِ أَحَدُ وَجْهَيْنِ، إمّا أَنْ يَكُونَ نُسِخَ مَا وَجَبَ عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَدَائِهَا وَرُفِعَ عَنْهُ اسْتِمْرَارُ الْعَزْمِ وَاعْتِقَادُ الْوُجُوبِ، وَهَذَا قَدْ قَدّمْنَا أَنّهُ نَسْخٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَنُسِخَ عَنْهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ التّبْلِيغِ، فَقَدْ كَانَ فِي كُلّ مَرّةٍ عَازِمًا عَلَى تَبْلِيغِ مَا أُمِرَ بِهِ، وَقَوْلُ أَبِي جَعْفَرٍ: إنّمَا كَانَ شَافِعًا وَمُرَاجِعًا يَنْفِي النّسْخَ فَإِنّ النّسْخَ قَدْ يَكُونُ عَنْ سَبَبٍ مَعْلُومٍ، فَشَفَاعَتُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لِأُمّتِهِ كَانَتْ سَبَبًا لِلنّسْخِ لَا مُبْطِلَةً لِحَقِيقَتِهِ،