أَمر الْجِنّ الَّذين اسْتَمعُوا لَهُ وآمنوا بِهِ:
قَالَ ثُمّ إنّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْصَرَفَ مِنْ الطّائِفِ رَاجِعًا إلَى مَكّةَ، حِينَ يَئِسَ مِنْ خَيْرِ ثَقِيفٍ، حَتّى إذَا كَانَ بِنَخْلَةَ قَامَ مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ يُصَلّي، فَمَرّ بِهِ النّفَرُ مِنْ الْجِنّ الّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَهُمْ - فِيمَا ذُكِرَ لِي - سَبْعَةُ نَفَرٍ مِنْ جِنّ أَهْلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جِنّ نَصِيبِينَ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ وَفْدِ جِنّ نَصِيبِينَ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ فِيهِمْ وَقَدْ أَمْلَيْنَا أَوّلَ الْمَبْعَثَيْنِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ طَرَفًا مِنْ أَخْبَارِهِمْ وَبَيّنّا هُنَالِكَ أَسَمَاءَهُمْ وَنَصِيبِينُ مَدِينَةٌ بِالشّامِ أَثْنَى عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رُوِيَ أَنّهُ قَالَ: " رُفِعَتْ إلَيّ نَصِيبِينُ حَتّى رَأَيْتهَا فَدَعَوْت اللهَ أَنْ يَعْذُبَ نَهْرُهَا، وَيَنْضُرَ شَجَرُهَا، وَيَطِيبَ ثَمَرُهَا" أَوْ قَالَ "وَيَكْثُرَ ثَمَرُهَا" وَتَقَدّمَ فِي أَسْمَائِهِمْ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ. قَالَ هُمْ مُنَشّي وَمَاشِي وَشَاصِر وَمَاصِر وَالْأَحْقَب، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى تَسْمِيَةِ هَؤُلَاءِ وَقَدْ ذَكَرْنَا تَمَامَ أَسْمَائِهِمْ فِيمَا تَقَدّمَ وَفِي الصّحِيحِ أَنّ الّذِي أَذِنَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجِنّ لَيْلَةَ الْجِنّ شَجَرَةٌ وَأَنّهُمْ سَأَلُوهُ الزّادَ فَقَالَ كُلّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي يَدِ أَحَدِهِمْ. أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا، وَكُلّ بَعْرٍ عَلَفٌ لِدَوَابّهِمْ. زَادَ ابْنُ سَلَامٍ فِي تَفْسِيرِهِ أَنّ الْبَعْرَ يَعُودُ خَضِرًا لِدَوَابّهِمْ ثُمّ " نَهَى رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُسْتَنْجَى بِالْعَظْمِ وَالرّوْثِ وَقَالَ: إنّهُ زَادُ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنّ" وَلَفْظُ الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ كَمَا قَدّمْنَاهُ كُلّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَلَفْظُهُ فِي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ كُلّ عَظْمٍ لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَأَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ تَدُلّ عَلَى مَعْنَى رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ فِي الْجِنّ الْمُؤْمِنِينَ وَالرّوَايَةُ الْأُخْرَى فِي حَقّ الشّيَاطِينِ مِنْهُمْ وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ تُعَضّدُهُ الْأَحَادِيثُ إلّا أَنّا نَكْرَهُ الْإِطَالَةَ وَفِي هَذَا رَدّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنّ الْجِنّ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَتَأَوّلُوا قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السّلَامُ "إنّ الشّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ" عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ وَهُمْ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ صِنْفٌ عَلَى صُوَرِ الْحَيّاتِ وَصِنْفٌ عَلَى صُوَرِ الْكِلَابِ سُودٌ وَصِنْفٌ رِيحٌ طَيّارَةٌ أَوْ قَالَ هَفّافَةٌ ذَوُو أَجْنِحَةٍ وَزَادَ بَعْضُ الرّوَاةِ فِي الْحَدِيثِ وَصِنْفٌ يَخْلُونَ وَيَظْعَنُونَ وَهُمْ السّعَالِي، وَلَعَلّ هَذَا الصّنْفَ الطّيّارَ هُوَ الّذِي لَا يَأْكُلُ,