نُزُولُ {وَلَقَدْ اُسْتُهْزِئَ بِرُسُلِ مِنْ قَبْلِكَ}
مقَالَة الْوَلِيد وَصَحبه، ونزول هَذِه الْآيَة:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَرّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا بَلَغَنِي - بِالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَأُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَبِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ فَغَمَزُوهُ وَهَمَزُوهُ وَاسْتَهْزَءُوا بِهِ فَغَاظَهُ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الْأَنْبِيَاءُ 41]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذَكَرَ حَدِيثَ الْمُسْتَهْزِئِينَ:
وَذَكَرَ حَدِيثَ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا أَنَزَلَ اللهُ فِيهِمْ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ} [الْأَنْبِيَاءُ 41] الْآيَةَ. فَقَالَ فِيهَا: اُسْتُهْزِئَ بِرُسُلِ ثُمّ قَالَ: {فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ} وَلَمْ يَقُلْ اسْتَهْزَءُوا، ثُمّ قَالَ: {مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} وَلَمْ يَقُلْ يَسْخَرُونَ. وَلَا بُدّ فِي حِكْمَةٍ فِي هَذَا مِنْ جِهَةِ الْبَلَاغَة وَتَنْزِيلِ الْكَلَامِ مَنَازِلَهُ فَقَوْلُهُ اُسْتُهْزِئَ بِرُسُلِ أَيْ أُسْمِعُوا مِنْ الْكَلَامِ الّذِي يُسَمّى اسْتِهْزَاءً مَا سَاءَهُمْ تَأْنِيسًا لَهُ لِيَتَأَسّى بِمَنْ قَبْلَهُ مِنْ الرّسُلِ وَإِنّمَا سُمّيَ اسْتِهْزَاءً إذَا كَانَ مَسْمُوعًا، وَهُوَ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِينَ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {أَتَتّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [الْبَقَرَةُ 67] . وَأَمّا السّخْرُ وَالسّخْرَى، فَقَدْ يَكُونُ فِي النّفْسِ غَيْرُ مَسْمُوعٍ وَلِذَلِكَ تَقُولُ سَخِرْت مِنْهُ كَمَا تَقُولُ عَجِبْت مِنْهُ إلّا أَنّ الْعُجْبَ لَا يَخْتَصّ بِالْمَعْنَى الْمَذْمُومِ كَمَا يَخْتَصّ السّخْرُ وَفِي التّنْزِيلِ خَبَرًا عَنْ نُوحٍ {إِنْ تَسْخَرُوا مِنّا فَإِنّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} [هُودٌ: 28] وَلَمْ يَقُلْ نَسْتَهْزِئُ بِكَمْ كَمَا تَسْتَهْزِئُونَ لِأَنّ الِاسْتِهْزَاءَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الْأَنْبِيَاءِ إنّمَا هُوَ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِينَ كَمَا قَدّمْنَا مِنْ قَوْلِ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ فَالنّبِيّ يَسْخَرُ أَيْ يَعْجَبُ مِنْ كُفْرِ مَنْ يَسْخَرُ بِهِ وَمَنْ سُخْرِ عُقُولِهِمْ فَإِنْ قُلْت: فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [الْبَقَرَة:15] قُلْنَا: الْعَرَبُ تُسَمّي الْجَزَاءَ عَلَى الْفِعْلِ بِاسْمِ الْفِعْلِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {نَسُوا اللَّهَ