. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْأَرْوَاحُ وَلَمْ يُفَرّقُوا بَيْنَ الْقَبْضِ وَالتّوَفّي، وَلَا بَيْنَ الْأَخْذِ فِي قَوْلِ بِلَالٍ أَخَذَ بِنَفْسِي الّذِي أَخَذَ بِنَفْسِك وَبَيْنَ قَوْلِ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ "قَبَضَ أَرْوَاحَنَا"، وَتَنْقِيحُ الْأَقْوَالِ وَتَرْجِيحُهَا يَطُولُ. وَقَدْ رَوَى أَبُو عُمَرَ فِي التّمْهِيدِ حَدِيثًا يَدُلّ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِهِ فِي أَنّ النّفْسَ هِيَ الرّوحُ لَكِنْ عَلّلَهُ فِيهِ أَنّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ وَجَعَلَ فِيهِ نَفْسًا وَرُوحًا، فَمِنْ الرّوحِ عَفَافُهُ وَفَهْمُهُ وَحِلْمُهُ وَسَخَاؤُهُ وَوَفَاؤُهُ وَمِنْ النّفْسِ شَهْوَتُهُ وَطَيْشُهُ وَسَفَهُهُ وَغَضَبُهُ وَنَحْوُ هَذَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ إذَا تُؤُمّلَ صَحّ نَقْلُهُ أَوْ لَمْ يَصِحّ وَسَبِيلُك أَنْ تَنْظُرَ فِي كِتَابِ اللهِ أَوّلًا، لَا إلَى الْأَحَادِيثِ الّتِي تُنْقَلُ مَرّةً عَلَى اللّفْظِ وَمَرّةً عَلَى الْمَعْنَى، وَتَخْتَلِفُ فِيهَا أَلْفَاظُ الْمُحَدّثِينَ فَنَقُولُ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَإِذَا سَوّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الْحجر: من الْآيَة29] وَلَمْ يَقُلْ مِنْ نَفْسِي وَكَذَلِكَ قَالَ {ثُمّ سَوّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} [السّجْدَةِ 9] وَلَمْ يَقُلْ مِنْ نَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ هَذَا، وَلَا خَفَاءَ فِيمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْفَرْقِ فِي الْكَلَامِ وَذَلِكَ يَدُلّ عَلَى أَنّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا فِي الْمَعْنَى، وَبِعَكْسِ هَذَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [الْمَائِدَة: من الْآيَة116] وَلَمْ يَقُلْ تَعْلَمُ مَا فِي رُوحِي، وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي رُوحِك، وَلَا يَحْسُنُ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا أَنْ يَقُولَهُ غَيْرُ عِيسَى، وَلَوْ كَانَتْ النّفْسُ وَالرّوحُ اسْمَيْنِ لِمَعْنَى وَاحِدٍ كَاللّيْثِ وَالْأَسَدِ لَصَحّ وُقُوعُ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَكَانَ صَاحِبِهِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} [المجادلة: من الْآيَة8] وَلَا يَحْسُنُ فِي الْكَلَامِ يَقُولُونَ فِي أَرْوَاحِهِمْ وَقَالَ تَعَالَى: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ} [الزمر: من الْآيَة56] وَلَمْ يَقُلْ أَنْ تَقُولَ رُوحٌ وَلَا يَقُولُهُ أَعْرَابِيّ، فَأَيْنَ إِذا كَوْنُ النّفْسِ وَالرّوحِ بِمَعْنَى وَاحِدٍ لَوْلَا الْغَفْلَةُ عَنْ تَدَبّرِ كَلَامِ اللهِ تَعَالَى؟ وَلَكِنْ بَقِيَتْ دَقِيقَةٌ يُعْرَفُ مَعَهَا السّرّ وَالْحَقِيقَةُ وَلَا يَكُونُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ اخْتِلَافٌ