. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْحَقِيقَةِ إلَى مَلَائِكَةٍ يَسْكُنُونَ تِلْكَ الْأَمَاكِنَ يُعَمّرُونَهَا، فَيَكُونُ مَجَازًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يُوسُف: 82] وَالْأَوّلُ أَظْهَرُ وَإِنْ كَانَتْ كُلّ صُورَةٍ مِنْ هَذِهِ الصّوَرِ الّتِي ذَكَرْنَاهَا فِيهَا عَلَمٌ عَلَى نُبُوّتِهِ - عَلَيْهِ السّلَامُ - غَيْرَ أَنّهُ لَا يُسَمّى مُعْجِزَةً فِي اصْطِلَاحِ الْمُتَكَلّمِينَ إلّا مَا تَحَدّى بِهِ الْخَلْقَ فَعَجَزُوا عَنْ مُعَارَضَتِهِ.
مَدْلُولُ تَفَعّلَ:
وَذَكَرَ حَدِيثَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُجَاوِرُ بِغَارِ حِرَاءٍ1 وَيَتَحَنّثُ فِيهِ قَالَ وَالتّحَنّثُ التّبَرّزُ. تَفَعّلٌ مِنْ الْبِرّ وَتَفَعّلَ يَقْتَضِي الدّخُولَ فِي الْفِعْلِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ فِيهَا مِثْلُ تَفَقّهَ وَتَعَبّدَ وَتَنَسّكَ وَقَدْ جَاءَتْ فِي أَلْفَاظٍ يَسِيرَةٍ تُعْطِي الْخُرُوجَ عَنْ الشّيْءِ وَاطّرَاحِهِ كَالتّأَثّمِ وَالتّحَرّجِ. وَالتّحَنّثُ بِالثّاءِ الْمُثَلّثَةِ لِأَنّهُ مِنْ الْحِنْثِ وَهُوَ الْحِمْلُ الثّقِيلُ وَكَذَلِكَ التّقَذّرُ إنّمَا هُوَ تَبَاعُدٌ عَنْ الْقَذَرِ وَأَمّا التّحَنّفُ بِالْفَاءِ فَهُوَ مِنْ بَابِ التّبَرّرِ لِأَنّهُ مِنْ الْحَنِيفِيّةِ دِينِ إبْرَاهِيمَ وَإِنْ كَانَ الْفَاءُ مُبْدَلَةً مِنْ الثّاءِ فَهُوَ مِنْ بَابِ التّقَذّرِ وَالتّأَثّمِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ هِشَامٍ، وَاحْتَجّ بِجَدَفٍ وَجَدَثٍ وَأَنْشَدَ قَوْلَ رُؤْبَةَ:
لَوْ كَانَ أَحْجَارِي مَعَ الْأَجْدَافِ
وَفِي بَيْتِ رُؤْبَةَ هَذَا شَاهِدٌ وَرَدّ عَلَى ابْنِ جِنّي حَيْثُ زَعَمَ فِي سِرّ الصّنَاعَةِ أَنّ جَدَفَ بِالْفَاءِ لَا يُجْمَعُ عَلَى أَجْدَافٍ وَاحْتَجّ بِهَذَا لِمَذْهَبِهِ فِي أَنّ الثّاءَ هِيَ الْأَصْلُ وَقَوْلُ رُؤْبَةَ رَدّ عَلَيْهِ وَاَلّذِي نَذْهَبُ إلَيْهِ أَنّ الْفَاءَ هِيَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْحَرْفِ لِأَنّهُ مِنْ الْجَدْفِ وَهُوَ الْقَطْعُ وَمِنْهُ مِجْدَافُ السّفِينَةِ وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ فِي وَصْفِ الْجِنّ: شَرَابُهُمْ الْجَدَفُ وَهِيَ الرّغْوَةُ لِأَنّهَا تُجْدَفُ عَنْ الْمَاءِ وَقِيلَ هِيَ نَبَاتٌ يُقْطَعُ وَيُؤْكَلُ.