أَصْحَابُهُ ثُمّ نَزَلَ فَشَرِبَ وَشَرِبَ أَصْحَابُهُ وَاسْتَقَوْا حَتّى مَلَئُوا أَسْقِيَتَهُمْ ثُمّ دَعَا الْقَبَائِلَ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ هَلُمّ إلَى الْمَاءِ فَقَدْ سَقَانَا اللهُ فَاشْرَبُوا وَاسْتَقُوا، فَجَاءُوا، فَشَرِبُوا وَاسْتَقَوْا. ثُمّ قَالُوا: قَدْ - وَاَللهِ - قُضِيَ لَك عَلَيْنَا يَا عَبْدَ الْمُطّلِبِ، وَاَللهِ لَا نُخَاصِمُك فِي زَمْزَمَ أَبَدًا، إنّ الّذِي سَقَاك هَذَا الْمَاءَ بِهَذِهِ الْفَلَاةِ لَهُوَ الّذِي سَقَاك زَمْزَمَ، فَارْجِعْ إلَى سِقَايَتِك رَاشِدًا. فَرَجَعَ وَرَجَعُوا مَعَهُ وَلَمْ يَصِلُوا إلَى الْكَاهِنَةِ وَخَلّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَهَذَا الّذِي بَلَغَنِي مِنْ حَدِيثِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي زَمْزَمَ، وَقَدْ سَمِعْت مَنْ يُحَدّثُ عَنْ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَنّهُ قِيلَ لَهُ حِينَ أُمِرَ بِحَفْرِ زَمْزَمَ:
ثُمّ اُدْعُ بِالْمَاءِ الرّوِيّ غَيْرِ الْكَدِرِ ... يَسْقِي حَجِيجَ اللهِ فِي كُلّ مَبَرْ1
لَيْسَ يُخَافُ مِنْهُ شَيْءٌ مَا عَمَرْ
فَخَرَجَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ حِينَ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ إلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ تَعْلَمُوا أَنّي قَدْ أُمِرْت أَنْ أَحْفِرَ لَكُمْ زَمْزَمَ، فَقَالُوا: فَهَلْ بُيّنَ لَك أَيْنَ هِيَ؟ قَالَ لَا. قَالُوا فَارْجِعْ إلَى مَضْجَعِك الّذِي رَأَيْت فِيهِ مَا رَأَيْت، فَإِنْ يَكُ حَقّا مِنْ اللهِ يُبَيّنْ لَك، وَإِنّ يَكُ مِنْ الشّيْطَانِ فَلَنْ يَعُودَ إلَيْك. فَرَجَعَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ إلَى مَضْجَعِهِ فَنَامَ فِيهِ فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ احْفِرْ زَمْزَمَ، إنّك إنْ حَفَرْتهَا لَمْ تَنْدَمْ وَهِيَ تُرَاثٌ مِنْ أَبِيك الْأَعْظَمِ لَا تَنْزِفُ أَبَدًا وَلَا تُذَمّ، تَسْقِي الْحَجِيجَ الْأَعْظَمَ مِثْلُ نَعَامٍ جَافِلٍ لَمْ يُقْسَمْ يَنْذِرُ فِيهَا نَاذِرٌ لِمُنْعِمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْجَمْعُ وَاسْمُ الْجَمْعِ:
يُسْقَى حَجِيجُ اللهِ فِي كُلّ مَبَرْ. الْحَجِيجُ جَمْعُ حَاجّ. وَفِي الْجُمُوعِ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ كَثِيرٌ كَالْعَبِيدِ وَالْبَقِيرِ وَالْمَعِيزِ وَالْأَبِيلِ وَأَحْسَبُهُ اسْمًا لِلْجَمْعِ لِأَنّهُ لَوْ كَانَ جَمْعًا لَهُ وَاحِدٌ مِنْ لَفْظِهِ لَجَرَى عَلَى قِيَاسٍ وَاحِدٍ كَسَائِرِ الْجُمُوعِ وَهَذَا يَخْتَلِفُ وَاحِدُهُ فَحَجِيجٌ وَاحِدُهُ حَاجّ، وَعَبِيدٌ وَاحِدُهُ عَبْدٌ وَبَقِيرٌ2 وَاحِدُهُ بَقَرَةٌ [وَمَعِيزٌ وَاحِدُهُ مَاعِزٌ] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَجَائِزٌ أَنْ يُقَالَ إنّهُ اسْمٌ لِلْجَمْعِ غَيْرَ أَنّهُ مَوْضُوعٌ لِلْكَثْرَةِ وَلِذَلِكَ