رُبّ كَأْسٍ هَرَقَتْ يَا ابْنَ لُؤَيّ ... حَذَرَ الْمَوْتِ لَمْ تَكُنْ مُهْرَاقَهْ
رُمْت دَفْعَ الْحُتُوفِ يَا ابْنَ لُؤَيّ ... مَا لِمَنْ رَامَ ذَاكَ بِالْحَتْفِ طَاقَهْ
وَخُرُوسِ السّرَى تَرَكْت رَذِيّا ... بَعْدَ جِدّ وَجِدّةٍ وَرَشَاقَهْ1
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي أَنّ بَعْضَ وَلَدِهِ أَتَى رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَانْتَسَبَ إلَى سَامَةَ بْنِ لُؤَيّ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "آلشّاعِرِ"؟ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ كَأَنّك يَا رَسُولَ اللهِ أَرَدْت قَوْلَهُ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جَعَلَتْ الرّسُولَ بِمَعْنَى: الرّسَالَةِ كَمَا قَالَ الشّاعِرُ:
لَقَدْ كَذّبَ الْوَاشُونَ مَا بُحْت عِنْدهمْ ... بِلَيْلَى، وَلَا أَرْسَلْتهمْ بِرَسُولِ
أَيْ: بِرِسَالَةِ وَإِنّمَا سَمّوْا الرّسَالَةَ رَسُولًا إذَا كَانَتْ كِتَابًا، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْكِتَابِ مِنْ شِعْرٍ مَنْظُومٍ كَأَنّهُمْ كَانُوا يُقِيمُونَ الشّعْرَ مَقَامَ الْكِتَابِ فَتَبْلُغُهُ الرّكْبَانُ كَمَا تَبْلُغُ الْكِتَابَ يُعْرِبُ عَنْ ضَمِيرِ الْكَاتِبِ كَمَا يُعْرِبُ الرّسُولُ وَكَذَلِكَ الشّعْرُ الْمُبَلّغُ فَسُمّيَ رَسُولًا. وَبَيْنَ الرّسُولِ وَالْمُرْسَلِ مَعْنًى دَقِيقٌ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي فَهْمِ قَوْلِ اللهِ عَزّ وَجَلّ {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنّاسِ رَسُولًا} [النّسَاءُ 79] فَإِنّهُ لَا يَحْسُنُ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يُقَالَ أَرْسَلْنَاك مُرْسَلًا، وَلَا نَبّأْنَاك تَنْبِيئًا، كَمَا لَا يَحْسُنُ ضَرَبْنَاك مَضْرُوبًا، وَلِكَشْفِ هَذَا الْمَعْنَى وَإِيضَاحِهِ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا، وَاخْتِصَارُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنْ لَيْسَ كُلّ مُرْسَلٍ رَسُولًا، فَالرّيَاحُ مُرْسَلَاتٌ وَالْحَاصِبُ مُرْسَلٌ وَكَذَلِكَ كُلّ عَذَابٍ أَرْسَلَهُ اللهُ وَإِنّمَا الرّسُولُ اسْمٌ لِلْمُبَلّغِ عَنْ الْمُرْسِلِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَسُولًا حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ بَلّغَا عَامِرًا وَكَعْبًا رَسُولًا ; إذْ قَدْ يُعَبّرُ بِالْوَاحِدِ عَنْ الِاثْنَيْنِ وَالْجَمَاعَةِ فِي مِثْلِ هَذَا اللّفْظِ تَقُولُ أَنْتُمْ رَسُولِي، وَهِيَ رَسُولِي، تُسَوّي بَيْنَ الْجَمَاعَةِ وَالْوَاحِدِ وَالْمُذّكّرِ وَالْمُؤَنّثِ. وَفِي التّنْزِيلِ {فَأْتِيَا2 فِرْعَوْنَ