إِعْرَاض الرَّسُول عَنْهَا:
ثُمّ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ اشْتَكَيْت شَكْوَى شَدِيدَةً وَلَا يَبْلُغُنِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَقَدْ انْتَهَى الْحَدِيثُ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى أَبَوِيّ لَا يَذْكُرُونَ لِي مِنْهُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، إلّا أَنّي قَدْ أَنْكَرْت مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ لُطْفِهِ بِي، كُنْت إذَا اشْتَكَيْت رَحِمَنِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بِهِ يُرِيدُ أَفْصَحُوا بِالْأَمْرِ وَنَقَرُوا عَنْهُ يُقَالُ سَاقَطْته الْحَدِيثَ مُسَاقَطَةً وَأَسْقَطُوا بِهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى قَالَ أَبُو حَيّةَ [النّمَيْرِيّ] :
إذَا هُنّ سَاقَطْنَ الْحَدِيثَ كَأَنّهُ ... سِقَاطُ حَصَى الْمَرْجَانِ مِنْ سِلْكٍ نَاظِمٍ
كَذَا فَسّرَهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطّالٍ وَفِيمَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ رِوَايَةِ الشّيْبَانِيّ عَنْهُ أَنّهُمْ أَدَارُوا الْجَارِيَةَ عَلَى الْحَدِيثِ وَلَمْ يَصْرُخُوا لَهَا حَتّى فَطِنَتْ بِمَا أَرَادُوا، فَقَالَتْ مَا أَعْلَمُ عَلَيْهَا عَيْبًا، الْحَدِيثُ. وَأَمّا ضَرْبُ عَلِيّ لِلْجَارِيَةِ وَهِيَ حُرّةٌ وَلَمْ تَسْتَوْجِبْ ضَرْبًا، وَلَا اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ضَرْبِهَا، فَأَرَى مَعْنَاهُ أَنّهُ أَغْلَظَ لَهَا بِالْقَوْلِ وَتَوَعّدَهَا بِالضّرْبِ وَاتّهَمَهَا أَنْ تَكُونَ خَانَتْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَكَتَمَتْ مِنْ الْحَدِيثِ مَا لَا يَسَعُهَا كَتْمُهُ مَعَ إدْلَالِهِ وَأَنّهُ كَانَ مِنْ أَهْلُ الْبَيْتِ، وَفِي غَيْرِ حَدِيثِ ابْنِ إسْحَاقَ قَالَتْ الْجَارِيَةُ وَاَللهِ مَا أَعْلَمُ عَلَيْهَا إلّا مَا يَعْلَمُ الصّائِغُ عَلَى الذّهَبِ الْأَحْمَرِ.
بَرِيرَةُ:
وَأَمّا بَرِيرَةُ فَهِيَ مَوْلَاةُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - الّتِي اشْتَرَتْهَا مِنْ بَنِي كَاهِلٍ فَأَعْتَقَتْهَا، وَخُيّرَتْ فِي زَوْجِهَا، وَكَانَ عَبْدًا لِبَنِي جَحْشٍ. هَذِهِ رِوَايَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَفِي رِوَايَةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَنّهُ كَانَ حُرّا، وَهِيَ رِوَايَةُ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ