من مالقة سميت باسم الْكَوْكَب 1، لِأَنَّهُ لَا يرى فِي جَمِيع الأندلس إِلَّا من جبل مطل عَلَيْهَا، ومالقة بِفَتْح اللَّام وَالْقَاف، هِيَ مَدِينَة بالأندلس.
فَأَقَامَ السُّهيْلي بالأندلس عمرا طَويلا، فنهل من كنوز الْعلم مَا نهل، وتزود من المعارف مَا تزَود، واشتهر بَين النَّاس، فَأخذُوا يقصدونه ليأخذوا عَنهُ الْعلم، فذاع سيطه فِي الْبلدَانِ حَتَّى وصل خَبره إِلَى مراكش فَطَلَبه واليها، وأكرمه وَأحسن إِلَيْهِ، وَأَقْبل بِوَجْهِهِ كل الإقبال عَلَيْهِ، وولاه بهَا قَضَاء الْجَمَاعَة 2، وَبَقِي على ذَلِك الْحَال أعواماً ثَلَاثَة إِلَى أَن وافاه الْأَجَل فَمَاتَ بهَا - رَحمَه الله -.
أخلاقه وعلمعه:
إِذا نَظرنَا مَلِيًّا فِي مؤلفات الإِمَام السُّهيْلي لظهر لنا جلياً اتجاهه الخلقي النَّبِيل، فقد عَاشَ لنصرة هَذَا الدّين فوهب لَهُ حَيَاته مَا بَين درس لَهُ، وتأليف فِيهِ، وَلِهَذَا عرف بَين النَّاس بالصلاح واشتهر بالورع وَالتَّقوى، أضف إِلَى ذَلِك أَنه كَانَ بِبَلَدِهِ يتسوغ بالعفاف، ويتبلغ بالكفاف.
كَانَ السُّهيْلي - رَحمَه الله - مالكي الْمَذْهَب، وَكَانَ ضريراً مُنْذُ السَّابِعَة عشرَة من عمره، وَأخذ الْقرَاءَات عَن سُلَيْمَان بن يحيى وَجَمَاعَة، وروى عَن أبي بكر بن الْعَرَبِيّ وكبار رجال الْعلم فِي تِلْكَ الْبِلَاد، فَأخذ اللُّغَة والآداب عَن ابْن الطراوة، وناظره فِي "كتاب سِيبَوَيْهٍ".
وتصدر للإفتاء والتدريس والْحَدِيث، فَجمع بَين الرِّوَايَة والدراية، فَأخذ النَّاس عَنهُ وانتفعوابه.