تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ
وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الْفِيل: 1-5] . وَقَالَ {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشّتَاءِ وَالصّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبّ هَذَا الْبَيْتِ الّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قُرَيْش: 1 – 4] . أَيْ لِئَلّا يُغَيّرَ شَيْئًا مِنْ حَالِهِمْ الّتِي كَانُوا عَلَيْهَا، لِمَا أَرَادَ اللهُ بِهِمْ مِنْ الْخَيْرِ لَوْ قَبِلُوهُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَبَابِيلُ الْجَمَاعَاتُ وَلَمْ تَتَكَلّمْ لَهَا الْعَرَبُ بِوَاحِدِ عَلِمْنَاهُ1 وَأَمّا السّجّيلُ فَأَخْبَرَنِي يُونُسُ النّحْوِيّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ أَنّهُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الشّدِيدُ الصّلْبُ قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ:
وَمَسّهُمْ مَا مَسّ أَصْحَابَ الْفِيلِ ... تَرْمِيهِمْ حِجَارٌ مِنْ سِجّيلْ
وَلُعّبَتْ طَيْرٌ بِهِمْ أَبَابِيلْ
وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. ذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسّرِينَ أَنّهُمَا كَلِمَتَانِ بِالْفَارِسِيّةِ جَعَلَتْهُمَا الْعَرَبُ كَلِمَةً وَاحِدَةً وَإِنّمَا هُوَ سِنْجٌ وَجِلّ يَعْنِي بِالسّنْجِ الْحَجَرَ، وَبِالْجِلّ الطّينَ يَعْنِي: الْحِجَارَةَ مِنْ هَذَيْنِ الْجِنْسَيْنِ الْحَجَرِ وَالطّينِ. وَالْعَصْفُ وَرَقُ الزّرْعِ الّذِي لَمْ يُعْصَفْ وَوَاحِدَتُهُ عَصْفَةٌ. قَالَ وَأَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النّحْوِيّ أَنّهُ يُقَالُ لَهُ الْعُصَافَةُ وَالْعَصِيفَةُ. وَأَنْشَدَنِي لِعَلْقَمَةَ بْنِ عَبَدَةَ أَحَدِ بَنِي رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ:
تَسْقَى مَذَانِبَ قَدْ مَالَتْ عَصِيفَتُهَا ... جَدُورُهَا مِنْ أَتِيّ الْمَاءِ مَطْمُومُ2
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ عَبّى جَيْشَهُ. يُقَالُ عَبّيْت الْجَيْشَ بِغَيْرِ هَمْزَةٍ وَعَبّأَتْ الْمَتَاعَ بِالْهَمْزِ وَقَدْ حُكِيَ عَبَأْت الْجَيْشَ بِالْهَمْزِ وَهُوَ قَلِيلٌ.