لَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أُحُدٍ، رَفَعَ حُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ وَهُوَ الْيَمَانِ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، وَثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ فِي الْآطَامِ مَعَ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ وَهُمَا شَيْخَانِ كَبِيرَانِ لَا أَبَا لَك، مَا تَنْتَظِرُ؟ فَوَاَللهِ لَا بَقِيَ لِوَاحِدِ مِنّا مِنْ عُمُرِهِ إلّا ظِمْءُ حِمَارٍ إنّمَا نَحْنُ هَامَةُ الْيَوْمِ أَوْ غَد، أَفَلَا نَأْخُذُ أَسْيَافَنَا، ثُمّ نَلْحَقُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلّ اللهُ يَرْزُقُنَا شَهَادَةً مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَخَذَا أَسْيَافَهُمَا ثُمّ خَرَجَا، حَتّى دَخَلَا فِي النّاسِ وَلَمْ يُعْلَمْ بِهِمَا، فَأَمّا ثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ فَقَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ وَأَمّا حُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُ الْمُسْلِمِينَ فَقَتَلُوهُ وَلَا يَعْرِفُونَهُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ أَبِي، فَقَالُوا: وَاَللهِ إنْ عَرَفْنَاهُ وَصَدَقُوا. قَالَ حُذَيْفَةُ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدِيَهُ فَتَصَدّقَ حُذَيْفَةُ بِدِيَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَزَادَهُ ذَلِكَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا

مَقْتَلُ حَاطِبٍ وَمَقَالَةُ أَبِيهِ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ:

أَنّ رَجُلًا مِنْهُمْ كَانَ يُدْعَى حَاطِبَ بْنَ أُمَيّةَ بْنِ رَافِعٍ وَكَانَ لَهُ ابْنٌ يُقَالُ لَهُ يَزِيدُ بْنُ حَاطِبٍ أَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأُتِيَ بِهِ إلَى دَارِ قَوْمِهِ وَهُوَ بِالْمَوْتِ فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ أَهْلُ الدّارِ فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ لَهُ مِنْ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ أَبْشِرْ يَا ابْنَ حَاطِبٍ بِالْجَنّةِ، قَالَ وَكَانَ حَاطِبٌ شَيْخًا قَدْ عَسَا فِي الْجَاهِلِيّةِ فَنَجَمَ يَوْمئِذٍ نِفَاقُهُ فَقَالَ بِأَيّ شَيْءٍ تُبَشّرُونَهُ؟ بِجَنّةِ مِنْ حَرْمَلٍ غَرَرْتُمْ وَاَللهِ هَذَا الْغُلَامَ مِنْ نَفْسِهِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

وَكَانَ مِنْ مَذْهَبِ الْعَرَبِ فِي الْمَيّتِ أَنّ رُوحَهُ تَصِيرُ هَامَةً وَلِذَلِكَ قَالَ الْآخَرُ

وَكَيْفَ حَيَاةُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ

وَقَوْلُهُ: لَمْ يَبْقَ مِنْ عُمُرِنَا إلّا ظِمْءُ حِمَارٍ. إنّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنّ الْحِمَارَ أَقْصَرُ الدّوَابّ ظِمْئًا، وَالْإِبِلُ أَطْوَلُهَا إظْمَاءً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015