خَفَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَفْقَةً وَهُوَ فِي الْعَرِيشِ ثُمّ انْتَبَهَ فَقَالَ " أَبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ أَتَاك نَصْرُ اللهِ هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِعَنَانِ فَرَسٍ يَقُودُهُ عَلَى ثناياه النَّقْع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْحَافِظَ - رَحِمَهُ اللهُ - يَقُولُ فِي هَذَا: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَقَامِ الْخَوْفِ وَكَانَ صَاحِبُهُ فِي مَقَامِ الرّجَاءِ وَكِلَا، الْمَقَامَيْنِ سَوَاءٌ فِي الْفَضْلِ لَا يُرِيدُ أَنّ النّبِيّ وَالصّدّيقَ سَوَاءٌ وَلَكِنْ الرّجَاءُ وَالْخَوْفُ مَقَامَانِ لَا بُدّ لِلْإِيمَانِ مِنْهُمَا، فَأَبُو بَكْرٍ كَانَ فِي تِلْكَ السّاعَةِ فِي مَقَامِ الرّجَاءِ لِلّهِ وَالنّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ كَانَ فِي مَقَامِ الْخَوْفِ مِنْ اللهِ لِأَنّ لِلّهِ أَنْ يَفْعَلَ مَا شَاءَ فَخَافَ أَنْ لَا يَعْبُدَ اللهَ فِي الْأَرْضِ بَعْدَهَا، فَخَوْفُهُ ذَلِكَ عِبَادَةٌ. وَأَمّا قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ فَذَهَبَ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ إلَى غَيْرِ هَذَا، وَقَالَ إنّمَا قَالَ ذَلِكَ الصّدّيقُ مَأْوِيَةً لِلنّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ وَرِقّةً عَلَيْهِ لِمَا رَأَى مِنْ نَصَبِهِ فِي الدّعَاءِ وَالتّضَرّعِ حَتّى سَقَطَ الرّدَاءُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَقَالَ لَهُ بَعْضَ هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ أَيْ لِمَ تُتْعِبْ نَفْسَك هَذَا التّعَبَ وَاَللهِ قَدْ وَعَدَك بِالنّصْرِ وَكَانَ رَقِيقَ الْقَلْبِ شَدِيدَ الْإِشْفَاقِ عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
جِهَادُ النّبِيّ فِي الْمَعْرَكَةِ
قَالَ الْمُؤَلّفُ وَأَمّا شِدّةُ اجْتِهَادِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَصَبُهُ فِي الدّعَاءِ فَإِنّهُ رَأَى الْمَلَائِكَةَ تَنْصَبُ فِي الْقِتَالِ وَجِبْرِيلُ عَلَى ثَنَايَاهُ الْغُبَارُ وَأَنْصَارُ اللهِ يَخُوضُونَ غِمَارَ الْمَوْتِ. وَالْجِهَادُ عَلَى ضَرْبَيْنِ جِهَادٌ بِالسّيْفِ وَجِهَادٌ بِالدّعَاءِ وَمِنْ سُنّةِ الْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَرَاءِ الْجُنْدِ لَا يُقَاتِلُ مَعَهُمْ فَكَانَ الْكُلّ فِي اجْتِهَادٍ وُجِدَ وَلَمْ يَكُنْ لِيُرِيحَ نَفْسَهُ مِنْ أَحَدِ الْجِدّيْنِ وَالْجِهَادَيْنِ وَأَنْصَارُ اللهِ وَمَلَائِكَتُهُ يَجْتَهِدُونَ وَلَا لِيُؤْثِرَ الدّعَةَ وَحِزْبُ اللهِ مَعَ أَعْدَائِهِ يَجْتَلِدُونَ.