الْمَلِكِ مَعَ اخْتِلَافٍ مِنْ أَمْرِهِمْ يَقُولُونَ هُوَ اللهُ وَيَقُولُونَ هُوَ وَلَدُ اللهِ وَيَقُولُونَ هُوَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ النّصْرَانِيّةِ.
فَهُمْ يَحْتَجّونَ فِي قَوْلِهِمْ " هُوَ اللهُ " بِأَنّهُ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى، وَيُبْرِئُ الْأَسْقَامَ وَيُخْبِرُ بِالْغُيُوبِ وَيَخْلُقُ مِنْ الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيْرِ ثُمّ يَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَائِرًا، وَذَلِك كُلّهُ بِأَمْرِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ} [مَرْيَم: 21] وَيَحْتَجّونَ فِي قَوْلِهِمْ " إنّهُ وَلَدُ اللهِ " بِأَنّهُمْ يَقُولُونَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ يَعْلَمُ وَقَدْ تَكَلّمَ فِي الْمَهْدِ وَهَذَا لَمْ يَصْنَعْهُ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ قَبْلَهُ.
وَيَحْتَجّونَ فِي قَوْلِهِمْ " إنّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ " بِقَوْلِ اللهِ فَعَلْنَا، وَأَمَرْنَا، وَخَلَقْنَا، وَقَضَيْنَا، فَيَقُولُونَ لَوْ كَانَ وَاحِدًا مَا قَالَ إلّا فَعَلْت، وَقَضَيْت، وَأَمَرْت، وَخَلَقْت، وَلَكِنّهُ هُوَ وَعِيسَى وَمَرْيَمُ. فَفِي كُلّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ قَدْ نَزَلَ الْقُرْآنُ - فَلَمّا كَلّمَهُ الْحَبْرَانِ، قَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَسْلِمَا"، قَالَا: قَدْ أَسْلَمْنَا، قَالَ "إنّكُمَا لَمْ تُسْلِمَا"، فَأَسْلَمَا، قَالَا: بَلَى، قَدْ أَسْلَمْنَا قَبْلَك. قَالَ "كَذَبْتُمَا، يَمْنَعُكُمَا مِنْ الْإِسْلَامِ دُعَاؤُكُمَا لِلّهِ وَلَدًا"،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صَلْصَالٌ وَقَوْلُهُ لِلشّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ يَقْتَضِي التّعْقِيبَ وَقَدْ خَلَقَ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ وَهِيَ سِتّةُ آلَافِ سَنَةٍ فَأَيْنَ قَوْلُهُ كُنْ فَيَكُونُ مِنْ هَذَا؟
فَالْجَوَابُ مَا قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنّ قَوْلَ الْبَارِي سُبْحَانَهُ كُنْ يَتَوَجّهُ إلَى الْمَخْلُوقِ مُطْلَقًا وَمُقَيّدًا، فَإِذَا كَانَ مُطْلَقًا كَانَ كَمَا أَرَادَ لِحِينِهِ وَإِذَا كَانَ مُقَيّدًا بِصِفَةِ أَوْ بِزَمَانِ كَانَ كَمَا أَرَادَ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ الزّمَانِ الّذِي تَقَيّدَ الْأَمْرُ بِهِ فَإِنْ قَالَ لَهُ كُنْ فِي أَلْفِ سَنَةٍ كَانَ فِي أَلْفِ سَنَةٍ وَإِنْ قَالَ لَهُ كُنْ فِيمَا دُونَ اللّحْظَةِ كَانَ كَذَلِكَ.