يَا بَنِي الْأَرْحَامَ لَا تَقْطَعُوهَا ... وَصِلُوهَا قَصِيرَةً مِنْ طِوَالِ
وَاتّقُوا اللهَ فِي ضِعَافِ الْيَتَامَى ... رُبّمَا يُسْتَحَلّ غَيْرُ الْحَلَالِ
وَاعْلَمُوا أَنّ لِلْيَتِيمِ وَلِيّا ... عَالِمًا يَهْتَدِي بِغَيْرِ السّؤَالِ
ثُمّ مَالُ الْيَتِيمِ لَا تَأْكُلُوهُ ... إنّ مَالَ الْيَتِيمِ يَرْعَاهُ وَالِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يَا بَنِي الْأَرْحَامَ لَا تَقْطَعُوهَا
بِنَصْبِ الْأَرْحَامِ وَهُوَ أَجْوَدُ مِنْ الرّفْعِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِلنّهْيِ. وَقَوْلُهُ
وَصِلُوهَا قَصِيرَةً مِنْ طِوَالِ
وَقَدْ أَمْلَيْنَا فِيهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ مَا نُعِيدُهُ هَاهُنَا بِحَوْلِ اللهِ وَأَمْلَيْنَا أَيْضًا فِي مَعْنَى الرّحِمِ وَاشْتِقَاقِ الْأُمّ لِإِضَافَةِ الرّحِمِ إلَيْهَا، وَوَضْعِهَا فِيهِ عِنْدَ خَلْقِ آدَمَ وَحَوّاءَ، وَكَوْنِ الْأُمّ أَعْظَمَ حَظّا فِي الْبِرّ مِنْ الْأَبِ مَعَ أَنّهَا فِي الْمِيرَاثِ دُونَهُ أَسْرَارًا بَدِيعَةً وَمَعَانِيَ لَطِيفَةً أَوْدَعْنَاهَا كِتَابَ الْفَرَائِضِ وَشَرْحَ آيَاتِ الْوَصِيّةِ فَلْتُنْظَرْ هُنَالِكَ.
وَأَمّا قَوْلُهُ قَصِيرَةً مِنْ طِوَالِ فَيَحْتَمِلُ تَأْوِيلَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ صِلُوا قِصَرَهَا مِنْ طِوَلِكُمْ أَيْ كُونُوا أَنْتُمْ طِوَالًا بِالصّلَةِ وَالْبِرّ إنْ قَصُرَتْ هِيَ وَفِي الْحَدِيثِ أَنّهُ قَالَ لِأَزْوَاجِهِ "أَسْرَعُكُنّ لُحُوقًا بِي: أَطْوَلُكُنّ يَدًا فَاجْتَمَعْنَ يَتَطَاوَلْنَ فَطَالَتْهُنّ سَوْدَةُ فَمَاتَتْ زَيْنَبُ أَوَلَهُنّ" أَرَادَ الطّوْلَ بِالصّدَقَةِ وَالْبِرّ فَكَانَتْ تِلْكَ صِفَةَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ.
وَالتّأْوِيلُ الْآخَرُ أَنْ يُرِيدَ مَدْحًا لِقَوْمِهِ بِأَنّ أَرْحَامَهُمْ قَصِيرَةُ النّسَبِ وَلَكِنّهَا مِنْ قَوْمٍ طِوَالٍ كَمَا قَالَ:
أُحِبّ مِنْ النّسْوَانِ كُلّ طَوِيلَةٍ ... لَهَا نَسَبٌ فِي الصّالِحِينَ قَصِيرُ
وَقَالَ الطّائِيّ: