اعترف كل من عرفه بعلو نفسه، وصفاء طبعه، وطهارة قلبه، ونبل خلقه، ورجاحة عقله، وتفوق ذكائه، وحضور بديهته، وقوة إرادته، وثبات عزيمته، ولين جانبه، وتمسكه بالحق، وإقامة العدل. فكان خير قدوة للناس جميعا.
لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (الأحزاب: 21) .
خلقه الله عظيما، فكانت عظمة فطرية طبيعية، وكان عظيما منذ ولادته، عظيما فى صباه، عظيما فى شبابه، عظيما فى رجولته، عظيما فى كهولته، عظيما فى شيخوخته، عظيما فى صغره وكبره، عظيما قبل الرسالة، عظيما بعدها.
خلقه الله عظيما كما شاء ليعده لأداء رسالته، وهو فى الأربعين فأداها خير أداء. وكان رسولا وهاديا للبشرية المتنازعة المتنافرة، وقدوة مثالية سامية للناس كافة.
ولقد تعرض الأنبياء والرسل الكرام عليهم السلام للتكذيب والتنكيل حتى وصل الأمر إلى درجة قتل بعضهم. ويبين تاريخ الرسالات الإلهية الكبرى أن أنبياء الله الذين حملوها إلى الناس قد تعرضوا لكثير من صنوف الآلام والمحن والعذاب على أيدى الذين حسبوهم من الكاذبين وما أفظعها من تهمة خاصة حين يقذف بها وجوه أصدق الناس حديثا ويزداد الأمر سوآ وتشتد المحنة عند ما يأتى التكذيب والسخرية من الأهل والعشيرة والأصحاب.
فها هى التوراة تقول إن موسى تعرض للنقد الجارح من أخيه هارون وأخته مريم عندما تزوج ثانية من امرأة سمراء أعجبته: «وتكلمات مريم وهارون على موسى بسبب المرأة الكوشية التى اتخذها لأنه كان قد اتخذ امرأة كوشية فحمى غضب الرب عليهما.. فالتفت هارون إلى مريم وإذا هى برصاء فقال هارون لموسى: أسألك يا سيدى لا تجعل علينا الخطيئة التى جمعتتا وأخطأنا بها» (سفر الأعمال 12: 1- 11) .