يعرفونه من أحوال الطبقة التي كانت قبلهم، وقد اجتمع من هذا المجهود العلمي العظيم علم مستقلّ من العلوم الإسلامية، أطلق عليه فيما بعد عنوان (أسماء الرجال) فتيسّر لمن أتى بعدهم أن يقفوا على أقدار مئات الألوف من الحفّاظ، والعلماء، والرواة، وغيرهم.
هذا فيما يتعلق بالرواية وحملتها، وهنالك علم نقد الحديث من جهة الدراية والفهم، وأنّ له أصولا محكمة، وقواعد متقنة اتخذوها لنقد المرويات، وتمييز صحيحها من سقيمها، وغثّها من السمين، والرّاجح من المرجوح، وقد تحرّى علماء السّنّة في هذا الأمر الحقّ وحده، وتمسّكوا فيه بالمحجّة البيضاء، وكل ما يؤدي إليه الصدق، فكان عملهم هذا من مفاخر الإسلام، وأنت تعلم أنّ ممّن تحمل الرواية رجالا من الولاة، والحكام، والأمراء الذين يخشى جانبهم، ويحذر الناس بطشهم وجبروتهم، فكان المحدّثون يلتزمون فيهم قول الحقّ، وينزلونهم في المنازل التي يستحقّونها، ولا يبالون بما قد يصيبهم من مكروه بسبب هذه المصارحة بما يرضي الله ويصون أمانات الإسلام. وكان وكيع (?) محدّثا كبيرا، وكان أبوه عاملا للدولة على بيت المال، فكان إذا روى عن أبيه شيئا عضده برواية راو آخر، فإذا انفرد أبوه برواية خبر توقّف وكيع عن الأخذ بذلك حتى تعضده رواية أخرى. فهل رأيت مثل هذا الاحتياط، ومثل هذه المبالغة في التثبت عند أهل ملّة أخرى غير ملّة الإسلام؟ ويقول الإمام معاذ بن معاذ (?) : رأيت المسعودي في سنة 154