المحاضرة الثالثة السيرة المحمدية من الناحية التاريخية

امتياز الإسلام بحفظ السيرة النبويّة وتراجم الصّحابة والتابعين والأئمة والمتبوعين:

أيها السادة! قلنا فيما سبق: إنّ الحياة المثالية جدير بها أن تكون مشتملة على خصال أربع. وسننظر الآن إلى سيرة محمد صلّى الله عليه وسلم من هذه النواحي، وأولها أن تكون سيرة «تاريخية» .

لقد شهدت الدّنيا أصدق شهادة، ثم ازداد ذلك ثبوتا على الأيام بأنّ الإسلام لم يقتصر على حفظ سيرته صلّى الله عليه وسلم، بل توسّع في ذلك إلى ما يتعلّق بها من كلّ النواحي، وصان هذه الأمانة القدسية، فلم تلمسها يد الضّياع، ولم تعبث بها عوامل الدّهر، إلى درجة أنّ العالم كلّه يقف من ذلك موقف العجب والاستغراب. والذين وقفوا حياتهم منذ العصر النّبويّ على حفظ أقوال النبيّ صلّى الله عليه وسلم، ورواية أحاديثه، وكلّ ما يتعلّق بحياته أدّوها إلى من ضبطوها بعدهم، وكتبوها، وصاروا يسمّون «رواة الحديث» أو «المحدّثين» و «أصحاب السّير» ، وهم طبقات متسلسلة من «الصحابة» و «التابعين» و «تابعي التابعين» حتى وافى القرن الرابع. فلما كملت هذه الذخيرة التاريخيّة جمعا، وكتابة، وتدوينا جعل العلماء يكتبون سير هؤلاء الرّواة من الصّحابة والتابعين، ومن بعدهم من العلماء الذين رووا شيئا مما يتعلّق بحياة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فكتبوا أسماءهم، وكناهم، وأنسابهم، ومنشأهم، وأخلاقهم، وعاداتهم، وبالجملة أحصوا شؤون حياتهم كلّها، حتى أصبح ما كتبوا في هذا الباب علما مستقلّا سمّي فيما بعد «علم أسماء الرجال» (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015