أما «بوذا» (?) فإنّه منذ هجر أهله وعياله إلى الصحارى والغابات لم يرجع قطّ إلى خليلته التي كانت حبيبة إلى قلبه، ولم ير ولده الوحيد مرّة أخرى، وترك خلانه، وأحباءه، فخفّف عن كاهله أعباء الحكم، وارتضى الموت آخر وسيلة له إلى النجاة، فكان الأجل المحتوم الغاية القصوى للحياة البشرية عنده. فمن ذا الذي يرضى بأن يتّخذ من حياة «بوذا» أسوة في هذه الدّنيا التي لا بقاء لها، ولا عمران إلا بالحياة الاجتماعية، والروابط العمرانية، والأواصر الإنسانية، ولا بدّ فيها من راع يرعى رعيته، وصديق يألف صديقه، ووالد يشفق على ولده، وأمّ تحنّ على فلذة كبدها. وهل في حياة «بوذا» شيء من ذلك يكون به أسوة للجميع: من الرهبان الذين انقطعوا للآخرة، إلى الآباء ذوي العيال وأصحاب الضياع والمزارع والمصانع والأموال؟ كلا ثمّ كلا، لم تكن سيرة «بوذا» قطّ أسوة للهناء العائلي، ولا لأهل الصناعات والمتاجر، ولو اتخذ أتباع «بوذا» قدوة لهم من حياة «بوذا» لما قامت لهم هذه الدّول في «الصّين» و «اليابان» و «سيام» و «تبت» و «برما» ، ولما عمرت للتجارة في بلادهم سوق، ولا دبّت الحياة في صناعاتهم ومصانعهم. ولو اختار أهل تلك البلاد سيرة متبوعهم سيرة لهم، وساروا عليها؛ لأقفرت الأرض العامرة، وتحوّلت إلى صحارى قاحلة، ولأصبحت المدن خرابا، أو أرضا جرداء.

وأما موسى عليه السلام فلا نعلم عن حياته- حسب الأسفار الخمسة من التوراة- إلا قتاله وقيادته في الحرب وبسالته فيها. أما النّواحي الآخرى من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015