خلود دعوة الرسل واضمحلال دعاوى غيرهم:

إنّ الصفوة المختارة من أهل الطبقة العليا في البشر هم الذين يحكمون القلوب، وتنقاد لسيادتهم النفوس. وأين هؤلاء من الملوك الذين يحكمون الجسوم، ويملكون الأبدان، ويستولون على البلاد؟ أولئك تجري أوامرهم، وتنفذ أحكامهم حيث تخفق القلوب، وإذا كانوا لا يملكون الأسلحة التي يملكها الملوك وأمراء الأجناد، فإنهم يطهّرون الأنفس من آثامها، ويستأصلون الجرائم قبل وقوعها، حيث يجتثون من القلوب جذور الشرور.

وإذا لم يكن لهم ما للشعراء من أناشيد يتغنّى الناس بها؛ فإن الأمم لا تزال تستحلي كلامهم العذب، وتستعذب حديثهم الحلو. لا ريب أنّه لم يكن الرسل رؤساء المجالس التشريعية بالمعنى الحديث، لكنّ سننهم، وتشريعاتهم لا تزال- على تطاول الأيام ومضيّ القرون- نافذة بين الطوائف، يقدّسها علية الناس وسفلتهم، وأحكامهم منقوشة على صفحات القلوب، تذعن لها السّوقة والملوك، ويستسلم لها الفقراء، ويخضع لها الأغنياء.

إنّ يد الأيام قد عبثت- كما يشهد التاريخ بالراجا (أشوكا) (?) ملك (باتلي باتر) (?) ولم تبق يد البلى من أوامره وأحكامه إلا صخورا منقوشة، وحجارة منحوتة. أما (بوذا) (?) فإنه لا يزال يحكم القلوب، وسننه وقوانينه لا يزال كثير من الناس يدينون لها ويطأطئون الرؤوس لحرمتها. وإنّ أوامر ملوك (أجّين) (?) و (هستابور) (?) في دهلي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015