النصر المبين بقلب ذاكر، ولسان بالدعاء ناطق، وناصية لعظمة الله ساجدة على الأرض، لقد أقام الصلاة لأوقاتها، ولم يؤخرها إلا مرتين: فقد فاتته مرّة في غزوة الخندق حين تألب عليه المشركون واليهود، ولم يمهلوه حتى يؤديها في وقتها، ومرّة أدلج الليل بطوله، ثم غفا غفوة هو وأصحابه، فطلعت عليهم الشمس، ولم يستيقظوا حتى أيقظتهم بأشعتها، فقضى ما فاته من الصّلاة، ثم لم تفته صلّى الله عليه وسلم حتى في مرضه الذي توفي فيه، بل قد اشتدّ به المرض، ووهنت قوته، فخرج مع ذلك متهاديا بين رجلين من حجرته إلى أن بلغ المسجد، وصلّى مع الجماعة، وقد غشي عليه ثلاث مرات قبل وفاته بثلاثة أيام، فكان كلما همّ أن يذهب إلى المسجد غشي عليه، ففاتته الصلاة مع الجماعة، هذا ما كان عليه الرسول من عبادة الله وذكره، وهذا ما تركه خلفه لم يأتسون به في عبادته، وذكره لله عز وجل.

وأمر المسلمين بالصوم، وليس على المسلمين إلا صوم رمضان، ولكن ما ظنّكم بالرسول صلّى الله عليه وسلم وصومه؟ إنه قلّما يمرّ به شهر، أو أسبوع من شهر إلا كان يصوم فيه، تقول عائشة: كان صلّى الله عليه وسلم يصوم حتّى يظنّ أنّه لن يفطر (?) . ونهى المسلمين عن صوم الوصال، لكنه يواصل الصوم يومين بل ثلاثة أيام متوالية، لا يأكل فيهن، ولا يشرب، وذلك الذي يقال له صوم الوصال. وكان بعض الصحابة يحبّ أن يقتدي به في ذلك، فيقول صلّى الله عليه وسلم:

«لست كأحدكم، أيّكم مثلي إنّ ربّي يطعمني ويسقيني» (?) وربما كان يصوم شهرين متواليين: شعبان ورمضان. وكثيرا ما كان يصوم الأيام البيض (الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر) من كلّ شهر، وكان يصوم ستّا من شوال، ويوم عاشوراء من المحرم، وكثيرا ما كان يصوم يوم السبت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015