واعلم أَن، أجل الكرامات الَّتِي تكون للأولياء: دوام التوفيق للطاعات، والعصمة عَنِ المعاصي والمخالفات، ومما يشهد من الْقُرْآن عَلَى إظهار الكرامات عَلَى الأولياء قَوْله سبحانه فِي صفة مريم عَلَيْهَا السَّلام وَلَمْ تكن نبيا ولا رسولا: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا} [آل عمران: 37] وَكَانَ يَقُول: {أَنَّى لَكِ هَذَا} [آل عمران: 37] فتقول مريم: {هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران: 37] وقوله سبحانه: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم: 25] وَكَانَ فِي غَيْر أوان الرطب، وَكَذَلِكَ قصة أَصْحَاب الكهف والأعاجيب الَّتِي ظهرت عَلَيْهِم من كَلام الكلب معهم وغير ذَلِكَ، ومن ذَلِكَ قصة ذي القرنين وتمكينه سبحانه لَهُ مِمَّا لَمْ يمكن لغيره، ومن ذَلِكَ: مَا أظهر عَلَى يد الخضر عَلَيْهِ السَّلام من إقامة الجدار وغيره من الأعاجيب وَمَا كَانَ يعرفه مِمَّا خفى عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام كُل ذَلِكَ أمور ناقضة للعادة اختص الخضر عَلَيْهِ السَّلام بِهَا وَلَمْ يكن نبيا، وإنما كَانَ وليا.

ومما روي من الأخبار فِي هَذَا الباب حَدِيث جريج الراهب.

أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الإِسْفِرَايِينِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ رَجَاءٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ أَبُو عَوَانَةَ وَحَدَّثَنِي الصَّغَانِيُّ وَأَبُو أُمَيَّةَ قَالا: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَذِيُّ قَالا: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلا ثَلاثَةٌ: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَصَبِيٌّ فِي زَمَنِ جُرَيْجٍ، وَصَبِيٌّ آخَرٌ، فَأَمَّا عَنْ عِيسَى فَقَدْ عَرَفْتُمُوهُ، وَأَمَّا جُرَيْجٌ فَكَانَ رَجُلا عَابِدًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَانَتْ لَهُ أُمٌّ فَكَانَ يَوْمًا يُصَلِّي إِذِ اشْتَاقَتْ إِلَيْهِ أُمُّهُ، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ.

فَقَالَ: يَا رَبِّ الصَّلاةُ خَيْرٌ أَمْ آتِيهَا؟ ثُمَّ صَلَّى فَدَعَتْهُ.

فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ صَلَّى فَاشْتَدَّ عَلَى أُمِّهِ، فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ الْمُومِسَاتِ، وَكَانَتْ زَانِيَةٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَتْ لَهُمْ: أَنَا أَفْتِنُ جُرَيْجًا حَتَّى يَزْنِيَ.

فَأَتَتْهُ فَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ، وَكَانَ رَاعٍ يَأْوِي بِاللَّيْلِ إِلَى أَصْلِ صَوْمَعَتِهِ، فَلَمَّا أَعْيَاهَا رَاوَدَتِ الرَّاعِيَ عَلَى نَفْسِهَا فَأَتَاهَا فَوَلَدَتْ ثُمَّ قَالَتْ: وَلَدِي هَذَا مِنْ جُرَيْجٍ، فَأَتَاهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ وَشَتَمُوهُ، ثُمَّ إِنَّهُ صَلَّى وَدَعَا ثُمَّ نَخَسَ الْغُلامَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015