لا تظهر عَلَيْهِ الكرامة، وكل نبي ظهرت كرامته عَلَى واحد من أمته فَهِيَ معدومة من جملة معجزاته، إذ لو لَمْ يكن ذَلِكَ الرسول صادقا لَمْ تظهر عَلَى يد من قَالَ: تابعه الكرامة، فأما رتبة الأولياء فلا تبلغ رتبة الأنبياء عَلَيْهِم السَّلام للإجماع المنعقد عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا أَبُو يَزِيد البسطامي سئل عَن هذه المسألة.
فَقَالَ: مثل مَا حصل للأنبياء عَلَيْهِم السَّلام كمثل زق فِيهِ عسل ترشح منه قطرة فتلك القطرة مثل مَا لجميع الأولياء وَمَا فِي الظرف مثل لنبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فصل ثُمَّ هذه الكرامات قَدْ تكون إجابة دعوة وَقَدْ تكون إظهار طَعَام فِي أوان فاقة من غَيْر سبب ظاهر أَوْ حصول ماء فِي زمان عطش، أَوْ تسهيل قطع مسافة فِي مدة قريبة، أَوْ تخليص من عدم، أَوْ سماع خطاب من هاتف أَوْ غَيْر ذَلِكَ من فنون الأفعال الناقضة للعادة.
واعلم أَن كثيرا من المقدورات يعلم اليوم قطعا أَنَّهُ لا يَجُوز أَن يظهر كرامة للأولياء وبضرورة أَوْ شبه ضرورة يعلم ذَلِكَ، فمنها حصول إِنْسَان لا من أبوين وقلب جماد بهيمة أَوْ حيوان وأمثال هَذَا كثير.
فصل فَإِن قيل: فَمَا معنى الولي؟ قيل: يحتمل أمرين أحدهما: أَن يَكُون فعيلا مبالغة من الفاعل كالعليم والقدير وغيره، ويكون معناه من توالت طاعته من غَيْر تخلل معصية، ويجوز أَن يَكُون فعيلا بمعنى مفعول كقتيل بمعنى مقتول وجريح بمعنى مجروح، وَهُوَ الَّذِي يتولى الحق سبحانه حفظه وحراسته عَلَى الإدامة والتوالي فلا يخلق لَهُ الخذلان الَّذِي هُوَ قدر العصيان وإنما يديم توفيقه الَّذِي هُوَ قدرة الطاعة.
قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف: 196] .