فالقلوب تعرفه والعقول لا تدركه ينظر إِلَيْهِ المؤمنون بالأبصار من غَيْر إحاطة ولا إدراك نهاية، وَقَالَ الجنيد: أشرف كلمة فِي التوحيد مَا قاله أَبُو بَكْر الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سبحان من لَمْ يجعل لخلقه سبيلا إِلَى معرفته إلا بالعجز عَن معرفته.
قَالَ الأستاذ أَبُو القاسم: لَيْسَ يريد الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لا يعرف، لأن عِنْدَ المحققين العجز عجز عَنِ الموجود دُونَ المعدوم كالمقعد عاجز عَن قعوده إذ لَيْسَ بكسب لَهُ لا فعل والقعود موجود فِيهِ كَذَلِكَ العارف عاجز عَن معرفته والمعرفة موجودة فِيهِ لأنها ضرورية وعند هذه الطائفة المعرفة بِهِ سبحانه فِي الانتهاء ضرورة فالمعرفة الكسبية فِي الابتداء وإن كانت معرفة عَلَى التحقيق فلم يعدها الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَيْئًا بالإضافة إِلَى المعرفة الضرورية كالسراج عِنْدَ طلوع الشَّمْس وانبساط شعاعها عَلَيْهِ.
سمعت مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت أَحْمَد بْن سَعِيد البصرى بالكوفة يَقُول: سمعت ابْن الأعرابي يَقُول: قَالَ الجنيد: التوحيد الَّذِي انفرد بِهِ الصوفية هُوَ إفراد القدم عَنِ الحدث والخروج عَنِ الأوطان وقطع المحاب وترك مَا علم وجهل وأن يَكُون الحق سبحانه مكان الجميع.
وَقَالَ يُوسُف بْن الْحُسَيْن: من وقع فِي بحار التوحيد لا يزداد عَلَى ممر الأوقات إلا عطشا وَقَالَ الجنيد: علم التوحيد مباين لوجوده ووجوده مفارق لعمله.
وَقَالَ الجنيد أَيْضًا: علم التوحيد طوي بساطه منذ عشرين سنة والناس يتكلمون فِي حواشيه.
سمعت بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن أَحْمَد الأَصْبَهَانِي يَقُول: وقف رجل عَلَى الْحُسَيْن بْن مَنْصُور فَقَالَ: من الحق الَّذِي يشيرون إِلَيْهِ فَقَالَ: معل الأنام ولا يعتل