ثم اعلموا، رحمكم الله، أن المحققين من هذه الطائفة انقرض أكثرهم ولم يبق في زماننا من هذه الطائفة إلا أثرهم، كما قيل:
أما الخيام فإنها كخيامهم ... وأرى نساء الحي غير نسائها
حصلت الفترة في هذه الطريقة..، لا، بل إندرست الطريقة بالحقيقة: مضى الشيوخ الذين كان بهم اهتداء، وقل الشباب الذين كان لهم بسيرتهم وسنتهم اقتداء، وزال الورع وطوى بساطه، واشتد الطمع وقوى رباطه.
وارتحل عن القلوب حرمة الشريعة، فعدوا قلة المبالاة بالدين أوثق ذريعة ورفضوا التمييز بين الحلال والحرام. ودانوا بترك الإحترام.
وطرح الاحتشام، واستخفوا بأداء العبادات، واستهانوا بالصوم والصلاة، وركضوا في ميدان الغفلات وركنوا إلى انباع الشهوات، وقلة المبالاة بتعاطي المحظورات، والارتفاق بما يأخذونه من السوقة، والنسوان، وأصحاب السلطان.
ثم لم يرضوا بما تعاطوه من سوء هذه الأفعال، حتى أشاروا إلى أعلى الحقائق والأحوال، وادعوا أنهم تحروا من رق الأغلال وتحققوا بحقائق الوصال وأنهم قائمون بالحق، تجري عليهم أحكامه، وهم محو، وليس لله عليهم فيما يؤثرونه أو يذرونه عتب ولا لوم، وأنهم كوشفوا بأسرار الأحدية، واختطفوا عنهم بالكلية، وزالت عنهم أحكامه للبشرية. وبقوا