وحكى أَن إِبْرَاهِيم بْن أدهم خرج إِلَى بَعْض البراري فاستقبله جندي فَقَالَ: أين العمران؟ فأشار إِلَى المقبرة فضرب رأسه وأوضحه فلما جاوزه قيل لَهُ: إنه إِبْرَاهِيم بْن أدهم زاهد خراسان فجاء يعتذر إِلَيْهِ فَقَالَ: إنك لما ضربتني سألت اللَّه تَعَالَى لَك الْجَنَّة فَقَالَ: لَمْ؟ فَقَالَ: علمت أني أؤجر عَلَيْهِ فلم أرد أَن يَكُون نصيبي منك الخير ونصيبك منى الشر.
وحكى أَن أبا عُثْمَان الحيري دعاه إِنْسَان إِلَى ضيافة فلما وافى بَاب داره قَالَ: يا أستاذ لَيْسَ الآن وقت دخولك وَقَدْ ندمت فانصرف فرجع أَبُو عُثْمَان فلما وافي منزله عاد إِلَيْهِ الرجل وَقَالَ: يا أستاذ ندمت وأخذ يعتذر وَقَالَ: احضر الساعة فقام أَبُو عُثْمَان ومضى، فلما وافى بَاب داره قَالَ مثل مَا قَالَ فِي الأَوَّل ثُمَّ كَذَلِكَ فعل فِي الثالثة والرابعة وأبو عُثْمَان ينصرف ويحضر فلما كَانَ بَعْد مرات قَالَ: يا أستاذ , أردت اختباره وأخذ يعتذر ويمدحه فَقَالَ أَبُو عُثْمَان: لا تمدحني عَلَى خلق تجد مثله مَعَ الكلاب، الكلب إِذَا دعى حضر وإذا زجر انزجر.
وقيل: إِن أبا عُثْمَان اجتاز بسكة وقت الهاجرة فألقى عَلَيْهِ من سطح طست رماد فتغير أَصْحَابه وبسطوا ألسنتهم فِي الملقى فَقَالَ أَبُو عُثْمَان: لا تقولوا شَيْئًا من استحق أَن يصب عَلَيْهِ النار فصولح عَلَى الرماد لَمْ يجز لَهُ أَن يغضب.
وقيل: نزل بَعْض الفقراء عَلَى جَعْفَر بْن حنظلة فكان جَعْفَر يخدمه جدا والفقير يَقُول: نعم الرجل أَنْتَ لو لَمْ تكن يهوديا فَقَالَ جَعْفَر: عقيدتي لا تقدح فيما تحتاج إِلَيْهِ من الخدمة فسل لنفسك الشفاء ولي الهداية.
قيل: كَانَ لعبد اللَّه الخياط حريف مجوسي يخيط لَهُ ثيابا ويدفع إِلَيْهِ دراهم زيوفا وَكَانَ عَبْد اللَّهِ يأخذها، فاتفق أَنَّهُ قام من حانوته يوما لشغل فجاء المجوسي بالدراهم الزيوف فدفعها إِلَى تلميذه: فلم يقبلها فدفع إِلَيْهِ الصحاح فلما رجع عَبْد اللَّهِ قَالَ لتلميذه: أين قميص المجوسي؟ فذكر لَهُ القصة فَقَالَ: بئسما عملت إنه مذ مدة يعاملني بمثلها وأنا أصبر عَلَيْهِ وألقيها فِي بئر لئلا يغر بِهَا غيرى.