وَأَمَّا العراقيون فإنهم قَالُوا: الرضا من جملة الأحوال وليس ذَلِكَ كسبا للعبد بَل هُوَ نازلة تحل بالقلب كسائر الأحوال ويمكن الجمع بَيْنَ اللسانين فيقال: بداية الرضا مكتسبة للعبد وَهِيَ من المقامات ونهايته من جملة الأحوال وليست بمكتسبة وتكلم النَّاس فِي الرضا فَكُل عبر عَن حاله وشربه فَهُمْ فِي العبارة عَنْهُ مختلفون كَمَا أنهم فِي الشرب والنصيب من ذَلِكَ متفاوتون فأما شرط العلم والذي هُوَ لابد منه فالراضي بالله تَعَالَى هُوَ الَّذِي لا يعترض عَلَى تقديره.
سمعت الأستاذ أبا عَلِي الدقاق يَقُول: لَيْسَ الرضا أَن لا تحس بالبلاء إِنَّمَا الرضا أَن لا تعترض عَلَى الحكم والقضاء.
واعلم أَن الواجب عَلَى العبد أَن يرضى بالقضاء الَّذِي أمر بالرضا بِهِ إذ لَيْسَ كُل مَا هُوَ بقضائه يَجُوز للعبد أَوْ يجب عَلَيْهِ الرضا بِهِ كالمعاصي وفنون محن الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ المشايخ: الرضا بَاب اللَّه الأعظم يعنون أَن من أكرم بالرضا فَقَدْ لقى بالترحيب الأوفى وأكرم بالتقريب الأعلى.
سمعت مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر الرازي قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن حمزة قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن أَبِي الحواري قَالَ: قَالَ عَبْد الْوَاحِد بْن زَيْد: الرضا بَاب اللَّه الأعظم وجنة الدنيا.
واعلم أَن العبد لا يكاد يرضى عَنِ الحق سبحانه إلا بَعْد أَن يرضى عَنْهُ الحق سبحانه، لأن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة: 119] سمعت الأستاذ أبا عَلِي الدقاق يَقُول: قَالَ تلميذ لأستاذه: هل يعرف العبد أَن اللَّه تَعَالَى راض عَنْهُ؟ فَقَالَ لا كَيْفَ يعلم ذَلِكَ ورضاه غيب فَقَالَ التلميذ: الولي يعلم ذَلِكَ، فَقَالَ: كَيْفَ؟ قَالَ: إِذَا وجدت قلبي راضيا عَنِ اللَّه تَعَالَى علمت أَنَّهُ راض عني، فَقَالَ الأستاذ: أحسنت يا غلام.
وقيل: قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام إلهي دلني عَلَى عمل إِذَا عملته رضيت بِهِ عنى فَقَالَ: