وأنشدوا:
كأن رقيبا منك يرعى خواطري ... وآخر يرعي ناظري ولساني
فَمَا رمقت عيناي بعدك منظرا ... يسوؤك إلا قُلْت: قَدْ رقاني
ولا بدرت من فِي دونك لفظة ... لغيرك إلا قُلْت: قَدْ سماني
ولا خطرت فِي السر بعدك خطرة ... لغيرك إلا عرجا بعناني
وإخوان صدق قَدْ سئمت حَدِيثهم ... وأمسكت عَنْهُم ناظري ولساني
وَمَا الزهد أسلي عَنْهُم غَيْر أنني ... وجدجتك مشهودي بكل مكان
وَكَانَ بَعْض المشايخ يخص واحدا من تلامذته إقباله عَلَيْهِ فَقَالَ أَصْحَابه لَهُ فِي ذَلِكَ فدفع إلي كُل واحد مِنْهُم طيرا وَقَالَ اذبحوه بحيث لا يراه أحد فمضى كُل واحد وذبح الطير بمكان خال وجاء هَذَا الإِنْسَان والطير مَعَهُ غَيْر مذبوح فسأله الشيخ فَقَالَ: أمرتني أَن أذبحه بحيث لا يراه أحد وَلَمْ يكن موضع إلا والحق سبحانه يراه فَقَالَ الشيخ لِهَذَا أقدم هَذَا عليكم إذ الغالب عليكم حَدِيث الخلق وَهَذَا غَيْر غافل عَنِ الحق ورؤية القرب حجاب عَنِ القرب فمن شاهد لنفسه محلا أَوْ نفسا فَهُوَ ممكور بِهِ ولهذا قَالُوا أوحشك اللَّه تَعَالَى من قربه أي من شهودك لقربه فَإِن الاستئناس بقربه من سمات العزة بِهِ إذ الحق سبحانه وراء كُل أَنَس وإن مواضع الحقيقة توجب الدهش والمحو وَفِي قريب من هَذَا قَالُوا: محنتي فيك إنني مَا أبالي بمحنتي قربكم مثل بعدكم فَمَتَى وقعت راحتي وَكَانَ الأستاذ أَبُو عَلِي الدقاق رحمه اللَّه كثيرا مَا ينشد:
ودادكم هجر وحبكم قلى ... وقربكم بَعْد وسلمكم حرب