سرقت معاني شعري، فقل أنت شعرًا مثله مسروق المعاني" لم يعقل منه إلا أنه يقول: "فقل أنت شعرًا في معانٍ أخر تسرقها كما سرقت معاني بزعمك" ولم يحتمل أن يريد: "أعمد إلى معاني فقل فيها شعرًا مثل شعري", وإنما يعقل ذلك إذا هو قال: "إن كنت قد سرقت معاني شعري، فقل أنت في هذه المعاني المسروقة مثل الذي قلت، وأنظم فيه الكلام مثل نظمي لكلامي، وخبره تحبيري".

44 - هذه جملة لا تخفي على من عرف مخارج الكلام، وعلم حق المعنى من اللفظ، وما يحتمل مما لا يحتمل. ومنها ما تقدم، من أنه لا يقال في الشيء قد كان يكثر مثله من الإنسان ثم منع منه: "ايت بمثله، وأجهد جهدك، واستعن عليه، فإنك لا تستطيع ولو أعانك الجن والإنس"، وإنما يقال ذلك في البديع المتبدأ، أو الذي لم يسبق إليه، ولم يوجد مثله قط.

وهذا المعنى وإن كان يلزمهم في الوجهين، فإنه لهم في هذا الوجه الذي نحن فيه ألزم، وذاك أن قولك للرجل يقدر على مثل الشيء اليوم في كثير من الأحوال والأمور، ويعوقه عنه عائق في حال واحدة وأمر واحد: "لو اجتمع الإنسن والجن فأعانوك لم تقدر على مثله" أبعد وأقبح من قولك ذلك. وقد كان يقدر عليه في سالف الأزمان، ثم منعه جملة، وجعل لايستطيعه البتة.

ومنها الأخبار التي جاءت عن العرب في تعظيم شأن القرآن وفي وصفه بما وصفوه به من نحو: "إن عليه لطلاوة، وإن له لحلاوة، وإن أسفله لمعذق، وإن أعلاه لمثمر"، وذاك أن محالًا أن يعظموه، وأن يبهتوا عند سماعه، ويستكينوا له، وهم يرون فيما قالوه وقاله الأولون ما يوازيه، ويعلمون أنه لم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015