فقلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون شاعر، ساحر، كاهن. قال أبو ذر: وكان أنيس أحد الشعراء، قال: والله لقد وضعت قوله على أقراء الشعر فلم يلتئم على لسان أحد، ولقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم، والله إنه لصادق وإنهم لكاذبون.
10 - ومن ذلك ما روي أن الوليد [بن عقبة] أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأ. فقرأ عليه: {إِنَّ اللَّهَ يَامُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90]، فقال: أعد فأعاد، فقال: "والله إنَّ له لحلاوةً، وإنَّ عليه لطُلاوةً، وإنَّ أسفله لمعرق، وإن أعلاه لمثمر، وما يقول هذا بشر".
11 - واعلم أنه لا يجوز أن يقال في هذا وشبهه إنه لا يكون دليلًا حتى يكون من قول المشركين بعضهم لبعض، حين خلوا بأنفسهم فتفاوضوا وتحاوروا وأفضى بعضهم بذات نفسه إلى بعض وإن كان منه من كلام المؤمنين، أو ممن قاله ثم آمن، فإنه لا يصح الاحتجاج به في حكم الجدل، من حيث يصير كأنك تحتج على الخصم برأي تراه أنت، وبقول أنت تقوله، وذلك أنه إنما يمتنع أن يدل إذا صدر القول مصدر الدعوى والشيء يدفعه الخصم وينكره، فأما ما كان مخرجه مخرج التنبيه على أمر يعرفه ذوو الخبرة، وأطلقه قائله إطلاق الواثق بأنه معلوم للجمع، وأنه ليس من بصير يعرف مقادير الفضل والنقص إلا وهو يحوج إلى تسليمه والاعتراف به شاء أم أبي فهو دليل بكل حال، ومن قول كل قائل، وحجة من غير مثنوية، ومن غير أن ينظر إلى قائله أموافق أم مخالف، ذاك لأن الدلالة ليست من نفس القول وذاك الصفة، بل في مصدرهما، وفي أن أخرجها مخرج