وتصور هذين الأمرين يوجب للعبد انقطاع تعلق قلبه عن غيره بالكلية خوفاً ورجاء ومحبة فإنه إذا علم أن الذي يفر منه ويستعيذ منه إنما هو بمشيئة الله وقدرته وخلقه لم يبق في قلبه خوف من غير خالقه وموجده فتضمن ذلك إفراد الله وحده بالخوف والحب والرجاء، ولو كان فراره مما لم يكن بمشيئة الله وقدرته لكان ذلك موجباً لخوفه منه، مثل من يفر من مخلوق آخر أقدر منه فانه في حال فراره من الأول خائف منه حذرا أن لا يكون الثاني يفيده منه بخلاف ما إذا كان الذي يفر إليه هو الذي قضي وقدر وشاء ما يفر منه، فانه لا يبقى في القلب التفات إلى غيره.

فتفطن إلى هذا السر العجيب في قوله: " أعوذ بك منك " و " لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك " فإن الناس قد ذكروا في هذا أقوالاً وقل من تعرض منهم لهذه النكته التي هي لبّ الكلام ومقصوده وبالله التوفيق

فتأمل كيف عاد الأمر كله إلى الفرار من الله إليه وهو معنى الهجرة إلى الله تعالى، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " المهاجر من هجر ما نهى الله عنه ". ولهذا يقرن الله سبحانه بين الإيمان والهجرة في غير موضع لتلازمهما واقتضاء أحدهما للآخر.

والمقصود أن الهجرة إلى الله تتضمن: هجران ما يكرهه وإتيان ما يحبه ويرضاه، وأصلها الحب والبغض، فان المهاجر من شئ إلى شئ لابد أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015