الرسائل للجاحظ (صفحة 965)

ولحب السلامة من الهلكة، والرغبة في المنفعة احتملوا ثقل التعلم، وتعجلوا مكروه ثقل المعاناة.

ولقلة العاملين وكثرة الواصفين قال الأولون: العارفون أكثر من الواصفين، والواصفون أكثر من العاملين.

وإنما كثرت الصفات وقلت الموصوفات لأن ثواب العمل مؤجل، واحتمال ما فيه معجل.

وقد أعجبني ما رأيت من شغفك بطاعة إمامك، واحتجاجك لتدبير خليفتك، وإشفاقك من كل خلل يدخله وإن دق، ونال سلطانه وإن صغر، ومن كل أمر خالف هواه وإن خفي مكانه، وجانب رضاه وإن قل ضرره. ومن تخوفك أن يجد المتأول إليه متطرقاً، والعدو عليه متعلقاً؛ فإن السلطان لا ينفك من متأول ناقم، ومن محكوم عليه ساخط، ومن معزول عن الحكم زار، ومن متعطل متصفح، ومن معجب برأيه، ذي خطل في بيانه، مولع بتهجين الصواب، وبالاعتراض على التدبير، حتى كأنه رائد لجميع الأمة، ووكيل لسكان جميع المملكة؛ يضع نفسه في مواضع الرقباء، وفي مواضع التصفح على الخلفاء والوزراء. لا يعذر وإن كان مجاز العذر ظاهراً، ولا يقف فيما يكون للشك محتملاً، ولا يصدق بأن الشاهد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015