الرسائل للجاحظ (صفحة 863)

ولو لم يكن فيك من الرضا والتسليم، ومن القناعة والإخلاص إلا أنك ترى ما عند الله خيراً لك مما عند الناس، وأن الطول الخفي أحب إليك من الطول الظاهر، لكان في ذلك ما يقضي لك بالإنصاف، ويحكم لك بالتوفيق.

وأنا - أبقاك الله - أعشق إنصافك كما تعشق المرأة الحسناء، وأتعلم خضوعك للحق كما أتعلم التفقه في الدين. ولربما ظننت أن جورك إنصاف قوم آخرين، وأن تعقدك سماح رجال منصفين.

وما أظنك صرت إلى معارضة الحجة بالشبهة، ومقابلة الاختيار بالاضطرار، واليقين بالشك، واليقظة بالحلم إلا للذي خصصت به من إيثار الحق، وألهمته من فضيلة الإنصاف، حتى صرت أحوج ما تكون إلى الإنكار أذعن ما تكون بالإقرار؛ وأشد ما تكون إلى الحيلة فقراً أشد ما تكون للحجة طلباً. غير أن ذلك بطرف ساكن، وصوت خاضع، وقلب جامع، وجأش رابط، ونية جسور، وإرادة تامة، مع غفلة كريم، وفطنة عليم. إن انقطع خصمك تغافلت، وإن خرق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015