الرسائل للجاحظ (صفحة 843)

الصدر ثم باض، ثم فرخ ثم نهض، وبين أن يكون الخاطر مختاراً، واللفظ اعتسافاً واغتصاباً، فرق بين.

ومتى اتكل صاحب البلاغة على الهوينى والوكال، وعلى السرقة والاحتيال، لم ينل طائلاً، وشق عليه النزوع، واستولى عليه الهوان، واستهلكه سوء العادة.

والوجه الضار: أن يتحفظ ألفاظاً بعينها من كتاب بعينه، أو من لفظ رجل، ثم يريد أن يعد لتلك الألفاظ قسمها من المعاني، فهذا لا يكون إلا بخيلاً فقيراً، وحائفاً سروقاً، ولا يكون إلا مستكرهاً لألفاظه، متكلفاً لمعانيه، مضطرب التأليف منقطع النظام. فإذا مر كلامه بنقاد الألفاظ وجهابذة المعاني استخفوا عقله، وبهرجوا علمه.

.ثم اعلم أن الاستكراه في كل شيء سمج، وحيث ما وقع فهو مذموم، وهو في الطرف أسمج، وفي البلاغة أقبح. وما أحسن حاله ما دامت الألفاظ مسموعة من فمه، مسرودة في نفسه، ولم تكن مخلدة في كتبه.

وخير الكتب ما إذا أعدت النظر فيه زادك في حسنه، وأوقفك على حده.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015