فصل
وكيف يصبر من استكن الحسد في قلبه على أمانيه. ولقد كان إخوة يوسف حلماء، وأجلة علماء، ولدهم الأنبياء، فلم يغفلوا عما قدح في قلوبهم من الحسد ليوسف، حتى أعطوا أباهم المواثيق المؤكدة، والعهود المقلدة، والأيمان المغلظة، إنهم له لحافظون، وهو شقيقهم وبضعة منهم. فخالفوا العهود ووثبوا عليه بالظلم والقوة، وألقوه في غيابة الجب، وجاءوا على قميصه بدم كذب، فبظلمهم يوسف ظلموا أباهم، طمعاً أن يخلو لهم وجه أبيهم ويتفردوا بحبه، وظنوا أن الأيام تسليه، وحبه لهم من بعد غمه يلهيه، فأسالوا عبرته وأحرقوا قلبه.
وكيف لا تقر أعين المحسودين بعد يوسف وقد ملكه الله خزائن الأرض، بصبره على أذى حساده ومقابلته إياهم بالعفو والمكافأة، وحسن العشرة والمواخاة، بعد إمكانه منهم لما أتوه ممتارين، ووفدوا عليه خائفين وهم له منكرون، فأحسن رفدهم، وأكرم قراهم،