فأما قولهم " كريم " و " عتيق "، فإنَّما يريدون أن يُبْرُوه من الهُجنة والإقراف، وكيف يجعلون البرذون لاحقاً بالعتيق، وإنْ دخل الفرس من أعراق البراذين شيءٌ هجَّنه؟ وفي القرآن: " والخيل والبغال والحمير " حين أراد أن يعدِّد أصناف نعمه؛ أفتراه ذكر نعمه في الحمار والبغل، ويدع نعْمته في البراذين، والبراذين أكثر من البغال، ولعلَّها أكثر من الحمير الأهليّة، التي هي للركوب، لأنّ الله تعالى قال: " والخيل والبغال والحمير لترْكبوها "؟ وحُمر الوحش وإن كانت حميراً فليست بمراكب. وفرسان العجم تختار في الحرب البراذين على العتاق، لأنها أحسن مُواتاة. والفحل والحصان من العتاق ربَّما شمَّ ريح الحجّر في جيش الأعداء، فتقحَّم بفارسه حتَّى يعطب، ولذلك اختاروا البراذين للصَّوالجة والطَّبْطابات والمشاولة، وإنما أرادوا بذلك كلَّه أن يكون دُربةً للحرب وتمريناً وتأسيساً.
فأكثر الحمير والبغال تُتّخذ لغير الركوب، وليس في البراذين طحّانات ولا نقّالات، ولا تُكْسح عليها الأرض إلا في الفرْط. فكيف يدع ذكر ما هو أعظم في المنفعة، وأظهر في النِّعمة، مع الجمال والوطاءة إلى ذكر ما لا يدانيه؟