وسئل ثُمامة بن أشرس يوماً، وقد خرج من عند عمرو بن مسْعدة، فقيل له: يا أبا معن، ما رأيت من معرفة هذا الرّجل وبلوت من فهْمه؟ فقال: ما رأيت قوماً نفرتْ طبائعهم عن قبول العلوم، وصغرت هممهم عن احتمال لطائف التمييز - فصار العلم سبب جهلهم، والبيان علم ضلالتهم، والفحْص والنظر قائد غيِّهم، والحكمة معْدن شبههم - أكثر من الكتَّاب.
وذكر أبو بكرٍ الأصمُّ ابن المقفَّع فقال: ما رأيت شيئاً إلاَّ وقليله أخفُّ من كثيره إلاَّ العلم، فإنّه كلَّما كثر خفَّ محمله. ولقد رأيت عبد الله بن المقفَّع هذا في غزارة علمه وكثرة روايته، كما قال الله عزّ ذكره: " كمثل الحمار يحْمل أسْفاراً ". قد أوهنه علمه، وأذهله علمه، وأذهله حلمه، وأعمته حكمته، وحيَّرتْه بصيرته.