الرسائل للجاحظ (صفحة 582)

أو شارك كاتبه في عمله. وكلُّ كاتب فمحكومٌ عليه بالوفاء، ومطلوبٌ منه الصَّبر على اللأواء. وتلك شروطٌ متنوّعة عليه، ومحنةٌ مستكملة لديه.

وليس للكاتب اشتراط شيء من ذلك، بل يناله الاستبطاء عند أول الزَّلَّة وإن أكدي، ويُدركه العذْل بأوَّل هفوةٍ وإن لم يرض.

يجب للعبد استزادة السِّيد بالشكوى، والاستبدال به إذا اشتهى. وليس للكاتب تقاضي فائته إذا أبطأ، ولا التحوُّل عن صاحبه إذا التوى. فأحكامه أحكام الأرقّاء، ومحلُّه من الخدمة محل الأغبياء.

ثم هو مع ذلك في الذِّروة القصوى من الصَّلف، والسَّنام الأعلى من البذخ، وفي البحر الطامي من التِّيه والسَّرف. يتوهَّم الواحد منهم إذا عرَّض جبَّته وطوّل ذيله، وعقص على خدِّه صُدغه، وتحذف الشابورتين على وجهه، أنَّه المتبوع ليس التابع، والمليك فوق المالك.

ثم الناشئ فيهم إذا وطئ مقعد الرياسة، وتورَّك مشورة الخلافة، وحُجزت السَّلَّةُ دونه، وصارت الدواة أمامه، وحفظ من الكلام فتيقه، ومن العلم مُلحه، وروى لبُزرْجمهْر أمثاله، ولأردشير عَهْده،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015