الرسائل للجاحظ (صفحة 569)

فالذي يقاسيه الناس من عيلة العيال، ويفكِّرون فيه من كثرة عددهم وعظيم مؤونتهم، وصعوبة خدمتهم، هو عنه بمعزلٍ: لا يهتمُّ بغلاء الدقيق، ولا عوز السَّويق، ولا عزَّة الزيت، ولا فساد النبيذ؛ قد كُفي حسرته إذا نزر، والمصيبة فيه إذا حمض، والفجيعة به إذا انكسر.

ثم يستقرض إذا أعسر ولا يُردُّ، ويسأل الحوائج فلا يُمنع، ويُلقي أبداً بالإعظام، ويكنَّى إذا نودي، ويُفدَّى إذا دُعي، ويُحيَّا بطرائف الأخبار، ويُطلع على مكنون الأسرار، ويتغاير الرُّبطاء عليه، ويتبادرون في برِّه، ويتشاحُّون في ودّه، ويتفاخرون بإيثاره.

ولا نعلم هذه الصِّفة إلاَّ للخلفاء: يُعطَون فوق ما يأخذون، وتُحصَّل بهم الرغائب، ويدرك منهم الغنى.

والمقيِّن يأخذ الجوهر ويعطي العرض، ويفوز بالعين ويعطي الأثر، ويبيع الريّح الهابة بالذهب الجامد، وفلذ اللجين والعسجد. وبين المرابطين وبين ما يريدون منه خرط القداد؛ لأن صاحب القيان لو لم يترك إعطاء المربوط سأله عفةً ونزاهة، لتركه حذقاً واختياراً، وشحاً على صناعته، ودفعاً عن حريم ضيعته؛ لأن العاشق متى ظفر بالمعشوق مرةً واحدة نقص تسعة أعشار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015